كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
وَإِرَادَاتِهِمْ، وَلِذَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَل بِهِ لِلْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ فَقَال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَل يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَل أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (1) } . وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ (سَالِمًا لِرَجُلٍ) .
وَالْمُهَايَأَةُ طَرِيقَةٌ لِتَقْلِيل نِزَاعِ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَأْتِي.
138 - وَمِنْهَا الاِنْتِفَاعُ بِالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَاسْتِخْدَامُهُ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِطُرُقٍ مِنْهَا، الْمُهَايَأَةُ عَلَى الاِسْتِخْدَامِ فِي الزَّمَانِ، بِأَنْ يَسْتَخْدِمَهُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِيهِ، فَإِذَا تَهَايَآهُ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنَ الشُّرَكَاءِ بِنَفَقَتِهِ الْعَامَّةِ وَكَسْبِهِ الْعَامِّ فِي مُدَّتِهِ لِيَحْصُل مَقْصُودُ الْقِسْمَةِ.
أَمَّا النَّفَقَاتُ النَّادِرَةُ كَأُجْرَةِ الْحَجَّامِ وَالطَّبِيبِ وَالأَْكْسَابِ النَّادِرَةِ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ، أَيْ إِذَا وَجَدَهُ الْعَبْدُ فَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي نَوْبَتِهِ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْوَجْهُ الآْخَرُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً كَالنَّفَقَةِ الْعَامَّةِ وَالْكَسْبِ الْعَامِّ (2) .
وَكَذَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عِنْدَ
__________
(1) سورة الزمر / 29.
(2) روضة الطالبين 11 / 219، وشرح المنهاج 3 / 117، وكشاف القناع 6 / 374.
الْحَنَفِيَّةِ فِي الزَّمَانِ اتِّفَاقًا لِلضَّرُورَةِ، وَقَالُوا: يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ، أَيْ يُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ مِنْ يَكُونُ لَهُ الْيَوْمُ الأَْوَّل مِنَ الْخِدْمَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ عَبْدَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يَتَهَايَآ عَلَى الْخِدْمَةِ فِيهِمَا، عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا الشَّرِيكَ هَذَا الْعَبْدُ، وَالآْخَرَ الآْخَرُ. وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَبْرًا إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ بِخِلاَفِ الأَْعْيَانِ. قَالُوا: وَلَوْ تَهَايَآ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُل عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِلْمُسَامَحَةِ فِي إِطْعَامِ الْمَمَالِيكِ بِخِلاَفِ شَرْطِ الْكِسْوَةِ فَإِنَّهَا لاَ يُسَامَحُ فِيهَا.
وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلاَل الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَقَدْ مَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ، بِخِلاَفِ التَّهَايُؤِ فِي اسْتِغْلاَل الدَّارِ مَثَلاً، قَالُوا: لأَِنَّ الاِسْتِغْلاَل إِنَّمَا يَكُونُ بِالاِسْتِعْمَال، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لاَ يَكُونُ كَمَا كَانَ فِي الزَّمَانِ الأَْوَّل. فَلَوْ فَعَلاَ فَزَادَتِ الْغَلَّةُ لأَِحَدِهِمَا عَنِ الآْخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيل، وَلأَِنَّ الْغَلَّةَ يُمْكِنُ بِهِ قِسْمَتُهَا فَلاَ ضَرُورَةَ إِلَى التَّهَايُؤِ فِيهَا، بِخِلاَفِ الْخِدْمَةِ، وَأَمَّا فِي الْعَبْدَيْنِ فِي الاِسْتِغْلاَل فَجَائِزٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الإِْفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ، خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ الَّذِي رَأَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي صُورَةِ الْعَبْدَيْنِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ فِي صُورَةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلأَِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الاِسْتِغْلاَل يَكْثُرُ؛ وَلأَِنَّ الظَّاهِرَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالاِسْتِقْصَاءُ فِي
الصفحة 87