كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرُّقَى.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ الرَّقْيِ مِنْ كُل دَاءٍ يُصِيبُ الإِْنْسَانَ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ:
أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لاَ تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَل بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ لِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لاَ بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ (1) .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آل عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَال: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ. فَقَال: مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ (2) .
وَقَال الرَّبِيعُ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الرُّقَى
__________
(1) حديث عوف بن مالك: " كنا نرقي في الجاهلية ". أخرجه مسلم (4 / 1727 - ط الحلبي) .
(2) حديث جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ". أخرجه مسلم (4 / 1726 - 1727 - ط الحلبي) .
فَقَال: لاَ بَأْسَ إِنْ رُقِيَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وَسُئِل مَالِكٌ عَنِ الرُّقَى بِالأَْسْمَاءِ الْعَجَمِيَّةِ فَقَال: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا كُفْرٌ؟ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِل مَعْنَاهُ لاَ يَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ أَوْ سِحْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَال قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لاَ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ إِلاَّ مِنَ الْعَيْنِ وَاللَّدْغَةِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ (1) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الرُّقَى حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لأَِنَّهَا قَادِحَةٌ فِي التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا ذَكَرَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ: هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) .
وَمِنْ هَؤُلاَءِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى كَرَاهَةِ الرَّقْيِ إِلاَّ بِالْمُعَوِّذَاتِ.
وَفَرَّقَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الرَّقْيِ قَبْل وُقُوعِ الْبَلاَءِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، فَقَالُوا: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الرَّقْيِ
__________
(1) حديث: " لا رقية إلا من عين أو حمة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 155 - ط السلفية) .
(2) حديث: " هم الذين لا يتطيرون ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 211 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
الصفحة 97