كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 24)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي فَيَشْرَبُ (1)
وَلأَِنَّ سُؤْرَ الآْدَمِيِّ مُتَحَلِّبٌ مِنْ لَحْمِهِ، وَلَحْمُهُ طَاهِرٌ، فَكَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا، إِلاَّ فِي حَال شُرْبِ الْخَمْرِ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا؛ لِنَجَاسَةِ فَمِهِ بِالْخَمْرِ.
وَمِنَ النَّوْعِ الأَْوَّل الْمُتَّفَقِ عَلَى طَهَارَتِهِ سُؤْرُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الأَْنْعَامِ وَالطُّيُورِ إِلاَّ الْجَلاَّلَةَ وَالدَّجَاجَةَ الْمُخَلاَّةَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ بَعِيرٍ أَوْ شَاةٍ (2) وَلأَِنَّ سُؤْرَهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ وَلَحْمَهُ طَاهِرٌ.
أَمَّا سُؤْرُ الْجَلاَّلَةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلاَّةِ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُل النَّجَاسَاتِ حَتَّى أَنْتَنَ لَحْمُهَا فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لاِحْتِمَال نَجَاسَةِ فَمِهَا وَمِنْقَارِهَا.
وَإِذَا حُبِسَتْ حَتَّى يَذْهَبَ نَتْنُ لَحْمِهَا فَلاَ كَرَاهَةَ فِي سُؤْرِهَا.
وَأَمَّا سُؤْرُ الْفَرَسِ فَطَاهِرٌ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّ سُؤْرَهُ مُتَحَلِّبٌ مِنْ لَحْمِهِ، وَلَحْمُهُ طَاهِرٌ؛ وَلأَِنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ
__________
(1) حديث عائشة: " كنت أشرب وأنا حائض. . . " أخرجه مسلم (1 / 245 - 246 - ط الحلبي) .
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بسؤر بعير أو شاة ". أورده صاحب كتاب البدائع (1 / 64 - نشر دار الكتاب العربي) ولم نهتد إليه في المصادر الحديثية الموجودة لدينا.
لِنَجَاسَتِهِ بَل لاِحْتِرَامِهِ؛ لأَِنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ وَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ مُنْعَدِمٌ فِي سُؤْرِهِ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنْهُ بِنَجَاسَةِ لَحْمِهِ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ: مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَيْ دَمٌ سَائِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ.
النَّوْعُ الثَّانِي: السُّؤْرُ الطَّاهِرُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ سُؤْرُ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْحِدَأَةِ وَنَحْوِهَا فَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ؛ لأَِنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ جَافٌّ فَلَمْ يَخْتَلِطْ لُعَابُهَا بِسُؤْرِهَا؛ وَلأَِنَّ صِيَانَةَ الأَْوَانِي عَنْهَا مُتَعَذِّرَةٌ؛ لأَِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنَ الْجَوِّ فَتَشْرَبُ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ سُؤْرُهَا؛ لأَِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تَتَنَاوَل الْجِيَفَ وَالْمَيْتَاتِ فَأَصْبَحَ مِنْقَارُهَا فِي مَعْنَى مِنْقَارِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلاَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ إِنْ كَانَ لاَ يَتَنَاوَل الْمَيْتَاتِ مِثْل الْبَازِي الأَْهْلِيِّ وَنَحْوِهِ فَلاَ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهِ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ سُؤْرُ سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَشَرَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ؛ لأَِنَّهُ يُتَعَذَّرُ صَوْنُ الأَْوَانِي مِنْهَا.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: سُؤْرُ الْهِرَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: السِّنَّوْرُ
الصفحة 101