كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 24)
وَجَهَالاَتِهِمْ. (1)
قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ. (2)
مَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ، فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ، عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ. وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الاِجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الأُْسْبُوعَ أَوِ الشَّهْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَال فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ: قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيؤُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالاِعْتِيَادِ، فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الاِجْتِمَاعُ وَالاِنْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ، كَمَا جَعَل أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا. وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا
__________
(1) المجموع 8 / 217.
(2) حديث: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا. . . " أخرجه أبو داود (2 / 534 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (3 / 313 - ط المنيرية) .
عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ، كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ.
قَال الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الاِجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ، إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ. وَقِيل: الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ، فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لاَ يَصِل إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ (1) أَيْ لاَ تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ.
قَال الْمُنَاوِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الأَْوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ، وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ.
وَقَال شَيْخُ الإِْسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنَ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ يَحْصُل مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ، فَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا. (2)
__________
(1) حديث: " وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". تقدم تخريجه ف 6.
(2) عون المعبود 6 / 32 - 33.
الصفحة 86