كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الأُْولَى وَالثَّانِيَةِ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قَدْ تَضَمَّنَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ (1) .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا (2) بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِيهِ: فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ (3) . وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِسْقَاطَ السُّكْنَى، فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ غَيْرَ حَامِلٍ، لاَ سُكْنَى لَهَا. وَبِهَذَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوسٌ، وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، لَكِنْ إِنْ أَرَادَ الْمُطَلِّقُ إِسْكَانَ الْبَائِنِ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ وَلاَ مَحْذُورَ
__________
(1) قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص 251، بدائع الصنائع 2 / 238، وأحكام القرآن 3 / 459، 4 / 2038، التاج والإكليل 4 / 162 مع مواهب الجليل، مغني المحتاج 3 / 401، المغني لابن قدامة 7 / 528.
(2) القائلين بوجوب السكن لها.
(3) حديث: " ليس لك عليه نفقة ". أخرجه مسلم (2 / 1114 ط الحلبي) من حديث فاطمة بنت قيس.
(4) سورة الطلاق / 6.
فِيهِ، لَزِمَهَا ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ. وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لأَُعْلِمَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى (1) .

سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى فِي مَال الْمُتَوَفَّى أَيَّامَ عِدَّتِهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ - إِلَى أَنَّهُ لاَ سُكْنَى لَهَا عَلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ (2) . وَيَقُول ابْنُ عَبَّاسٍ
__________
(1) موطأ مالك بشرح الزرقاني 3 / 63، كشاف القناع 3 / 301.
(2) حديث: " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ". أخرجه أحمد (6 / 373 ط الميمنية) والنسائي (6 / 143 - 144 ط. المكتبة التجارية) من حديث فاطمة بنت قيس أصل الحديث في الصحيحين من غير هذه الزيادة وقد ضعفها الزيلعي (نصب الراية 3 / 272 ط المجلس العلمي) .

الصفحة 114