كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

ذَلِكَ أَنَّ الْغَاصِبَ لِلدَّارِ لاَ يَضْمَنُ الأُْجْرَةَ إِلاَّ إِذَا سَكَنَ بِالْفِعْل أَوْ أَسْكَنَهَا لِغَيْرِهِ. أَمَّا الْمُتَعَدِّي (وَهُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ (1)) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الأُْجْرَةُ فِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ (2) .
وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ بِدُخُول الدَّارِ، وَإِزْعَاجِ سُكَّانِهَا، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ نِيَّةٌ فِي الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا وَالْحِيَازَةِ لِمَنَافِعِهَا أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ بِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ عِنْدَ إِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُتَعَدِّيَةِ. وَدَلِيل ثُبُوتِ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِل فِيهَا حُكِمَ لِمَنْ هُوَ فِيهَا دُونَ الْخَارِجِ عَنْهَا (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْغَصْبَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالدُّخُول لِلدَّارِ بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا، أَمَّا الدُّخُول بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ فَلاَ يُسَمَّى غَصْبًا، وَلِهَذَا قَالُوا فِي كُتُبِهِمْ: " لاَ يَحْصُل الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيلاَءٍ، فَلَوْ دَخَل أَرْضَ إِنْسَانٍ أَوْ دَارَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ دَخَلَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ (4) ".
__________
(1) فتح العلي المالك 2 / 185.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 414.
(3) مغني المحتاج 2 / 276.
(4) كشاف القناع 4 / 77 ط الرياض.
الصُّلْحُ عَلَى السُّكْنَى عَنْ دَعْوَى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ:
27 - يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَال عَلَى السُّكْنَى، وَهَذَا الصُّلْحُ إجَارَةٌ لِلْمَصَالِحِ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُهَا؛ لأَِنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا أُجْرَةٌ لِلسُّكْنَى (سَوَاءٌ أَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ أَمْ عَنْ إِنْكَارٍ أَمْ عَنْ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) .
وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُول: صَالَحْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً.
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعِي يَتْرُكُ الدَّارَ الْمُدَّعَى بِهَا وَيَسْكُنُ الدَّارَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكْنَى عِدَّةَ شُرُوطٍ ذُكِرَتْ عِنْدَهُمْ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْمَنَافِعِ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا حَاضِرًا، كَأَنْ يَدَّعِيَ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ بِيَدِهِ، فَيُصَالِحَهُ بِسُكْنَى دَارِهِ.
فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَدَرَاهِمَ، فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِالسُّكْنَى لأَِنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ (1) .
وَذَهَبَ الْمُتَيْطِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ
__________
(1) ويظهر من شرط المالكية لصحة الصلح على السكنى أن الصلح بالسكن عن السكنى لا يصلح عندهم، انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 280، 281.

الصفحة 124