كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْخِلاَفَ وَقَعَ فِي الْمُرَادِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا سُكْنَى أَهْل الذِّمَّةِ فِي غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ، نَظِيرُ مَا يَدْفَعُونَهُ مِنْ جِزْيَةٍ، عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:

أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
30 - إِذَا أَرَادَ الذِّمِّيُّ السُّكْنَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ بِالشِّرَاءِ لِدَارٍ، أَوْ بِاسْتِئْجَارِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِذَا أَرَادَ الذِّمِّيُّ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا فِي الْمِصْرِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ، وَإِنِ اشْتَرَاهَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَقِيل: لاَ يُجْبَرُ.
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: إِنْ مَصَّرَ الإِْمَامُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ - كَمَا مَصَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ - فَاشْتَرَى بِهَا أَهْل الذِّمَّةِ دُورًا وَسَكَنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّا قَبِلْنَا مِنْهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ لِيَقِفُوا عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ، فَعَسَى أَنْ يُؤْمِنُوا، وَاخْتِلاَطُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَالسَّكَنُ مَعَهُمْ يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَيَّدَ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ جَوَازَ السُّكْنَى بِقَوْلِهِ: هَذَا إِذَا قَلُّوا وَكَانُوا بِحَيْثُ لاَ تَتَعَطَّل
جَمَاعَاتُ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَتَقَلَّل الْجَمَاعَةُ بِسُكْنَاهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَأَمَّا إِذَا كَثُرُوا عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل بَعْضِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ تَقْلِيلِهَا مُنِعُوا مِنَ السُّكْنَى وَأُمِرُوا أَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ. قَال: وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَْمَالِي.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إِنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ التَّفْصِيل، فَلاَ نَقُول بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَلاَ بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا، بَل يَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالضَّرَرِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَإِذَا تَكَارَى أَهْل الذِّمَّةِ دُورًا فِي الْمِصْرِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْكُنُوا فِيهَا جَازَ؛ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إِلَيْنَا؛ وَلِيَرَوْا أَفْعَالَنَا فَيُسْلِمُوا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْكِرَاءِ وَالشِّرَاءِ، فَكُل مَا قِيل فِي الشِّرَاءِ يَأْتِي هُنَا فِي الْكِرَاءِ (1) .
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ سُكْنَى الذِّمِّيِّ أَنْ تَكُونَ حَيْثُ يَنَالُهُ حُكْمُ الإِْسْلاَمِ، وَلاَ يَسْكُنُ الذِّمِّيُّ حَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَنْكُثَ. فَإِذَا سَكَنَ فِي أَمَاكِنَ بِحَيْثُ لاَ تَنَالُهُ أَحْكَامُنَا، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالاِنْتِقَال. فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 209، 210.

الصفحة 126