كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

وَسَبَبُ الْخِلاَفِ أَنَّ الآْيَةَ الْكَرِيمَةَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. . .} لَمْ تُصَرِّحْ بِحُكْمِ السَّعْيِ، فَآل الْحُكْمُ إِلَى الاِسْتِدْلاَل بِالسُّنَّةِ وَبِحَدِيثِ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمِ السَّعْيَ (1) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَال: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَال: هَل سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَال: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِل (2) .
فَاسْتَدَل بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ؛ لأَِنَّ " كَتَبَ " بِمَعْنَى فَرَضَ؛ وَلأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا مُوسَى بِالسَّعْيِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحِل فَيَكُونُ فَرْضًا.
وَاسْتَدَل بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لأَِنَّهُ كَمَا قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: " مِثْلُهُ لاَ يَزِيدُ عَلَى إفَادَةِ
__________
(1) حديث: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ". سبق تخريجه ف4.
(2) حديث أبي موسى: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء. أخرجه البخاري (الفتح 3 / 416 - 559 - ط السلفية) ومسلم (2 / 895 - ط الحلبي) .
الْوُجُوبِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ. أَمَّا الرُّكْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَإِثْبَاتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ (1) ". يَعْنِي بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَصْلُحُ لإِِثْبَاتِ الرُّكْنِيَّةِ. وَاسْتَدَل لِلْقَوْل بِالسُّنِّيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (2) . وَنَفْيُ الْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِنَّ هَذَا رُتْبَةُ الْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ سُنِّيَّتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (3) .

صِفَةُ السَّعْيِ:
6 - بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجِّ أَوِ الْمُعْتَمِرِ مِنَ الطَّوَافِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّفَا لِيَبْدَأَ السَّعْيَ مِنْهَا، فَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا، وَيَسْتَقْبِل الْكَعْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ، وَيُوَحِّدُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَأْتِي بِالذِّكْرِ الْوَارِدِ، ثُمَّ يَسِيرُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَرْوَةِ، فَإِذَا حَاذَى الْمِيلَيْنِ (الْعَمُودَيْنِ) الأَْخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْعَى اشْتَدَّ وَأَسْرَعَ مَا اسْتَطَاعَ، وَهَكَذَا إِلَى الْعَمُودَيْنِ التَّالِيَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي الْمَشْيَ الْمُعْتَادَ حَتَّى يَصِل إِلَى الْمَرْوَةِ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا. وَيُوَحِّدُ وَيُكَبِّرُ كَمَا فَعَل عَلَى الصَّفَا، وَهَذَا شَوْطٌ وَاحِدٌ.
__________
(1) فتح القدير 2 / 158.
(2) سورة البقرة / 158.
(3) المغني 3 / 389 والآية من سورة البقرة / 158.

الصفحة 13