كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
حُكْمُ السُّكُوتِ:
4 - تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ وَالأُْصُولِيُّونَ لِحُكْمِ السُّكُوتِ فِي مُخْتَلَفِ الْمَسَائِل: وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ أَحْكَامَهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، بَادِئِينَ بِالْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ، ثُمَّ حُكْمِ السُّكُوتِ وَأَثَرِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ وَالْعُقُودِ وَالدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ نُبَيِّنُ مَا ذَكَرَهُ الأُْصُولِيُّونَ إِجْمَالاً مَعَ التَّعَرُّضِ لِحُكْمِ الإِْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - السُّكُوتُ مُبَاحٌ غَالِبًا، وَتَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الأُْخْرَى حَسَبَ الأَْحْوَال، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لِحُكْمِ السُّكُوتِ التَّكْلِيفِيِّ فِي مَسَائِل، مِنْهَا:
سُكُوتُ الْمُقْتَدِي:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ السُّكُوتُ عَلَى الْمُقْتَدِي عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، فَيَسْتَمِعُ إِذَا جَهَرَ الإِْمَامُ، وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ. فَإِنْ قَرَأَ كُرِهَ تَحْرِيمًا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الصَّلاَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا نَقْرَأُ خَلْفَ الإِْمَامِ
__________
(1) سورة الأعراف / 204.
فَنَزَل {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ الْبَحْرِ: الْمَطْلُوبُ بِالآْيَةِ أَمْرَانِ: الاِسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ، فَيُعْمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَالأَْوَّل يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لاَ، فَيُجْرَى عَلَى إِطْلاَقِهِ، فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا (1) . اهـ. وَقَال الْكَاسَانِيُّ: الاِسْتِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا عِنْدَ الْمُخَافَتَةِ بِالْقِرَاءَةِ فَالإِْنْصَاتُ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُخَافَتَةِ بِالْقِرَاءَةِ، فَيَجِبُ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ. فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا (2) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِْمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ تَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقِرَاءَةُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصَّلاَةُ جَهْرِيَّةً أَمْ سَرِيَّةً، لَكِنَّهُمْ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا لاَ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 366، والبدائع 1 / 111.
(2) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به. . . ". كذا أورده الكاساني، وهو عند مسلم بلفظ: " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا. . إلى أن قال في رواية: وإذا قرأ فأنصتوا ". مسلم (1 / 303 - 304 - ط الحلبي) من حديث أبي موسى الأشعري.
(3) البدائع 1 / 111. وحديث: " من كان له إمام فقراءة. . أخرجه ابن ماجه (1 / 277 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 175 - ط دار الجنان) .
الصفحة 132