كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَال: كَانُوا يَكْرَهُونَ كُل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً.
وَمِنَ الصُّوَرِ الَّتِي قَدْ تَجْلِبُ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ مَا يُسَمَّى بِالسُّفْتَجَةِ وَصُورَتُهَا: أَنْ يُقْرِضَ شَخْصٌ غَيْرَهُ - تَاجِرًا أَوْ غَيْرَ تَاجِرٍ - فِي بَلَدٍ وَيَطْلُبَ مِنَ الْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا يَسْتَوْفِي بِمُوجِبِهِ بَدَل الْقَرْضِ فِي بَلَدٍ آخَرَ مِنْ شَرِيكِ الْمُقْتَرِضِ أَوْ وَكِيلِهِ.
وَالنَّفْعُ الْمُتَوَقَّعُ هُنَا هُوَ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْمُقْرِضُ دَفْعَ خَطَرِ الطَّرِيقِ؛ إِذْ قَدْ يَخْشَى لَوْ سَافَرَ بِأَمْوَالِهِ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ وَقُطَّاعُ الطُّرُقِ فَيَلْجَأُ إِلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ لِيَسْتَفِيدَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْقَرْضِ دَفْعَ الْخَطَرِ الْمُتَوَقَّعِ فِي الطَّرِيقِ.
وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ يَخْتَلِفُ؛ لأَِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِوَكِيلِهِ (وَهُوَ السُّفْتَجَةُ) مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرَ مَشْرُوطٍ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا فَيُشْبِهُ الرِّبَا؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ فَضْلٌ لاَ يُقَابِلُهُ عِوَضٌ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ) وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْعَمَل
بِالسَّفَاتِجِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا، وَأَجَازَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، وَالأَْشْهَرُ عَنْهُ كَرَاهِيَتُهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ السَّفَاتِجِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُهَا لِكَوْنِهَا مَصْلَحَةً لَهُمَا جَمِيعًا، وَقَال عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ بِهَا إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِالْعِرَاقِ فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ، فَسُئِل عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا: ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ، رَوَاهُ كُلَّهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ قَرْضَ مَال الْيَتِيمِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى لِيَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، لأَِنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَالشَّرْعُ لاَ يَرِدُ بِتَحْرِيمِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لاَ مَضَرَّةَ فِيهَا بَل بِمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَلأَِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلاَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَوَجَبَ إِبْقَاؤُهُ عَلَى الإِْبَاحَةِ. غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مَا إِذَا عَمَّ الْخَوْفُ جَمِيعَ طُرُقِ الْمَحَل الَّتِي يَذْهَبُ الْمُقْرِضُ مِنْهَا إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الْمَال غَالِبًا لِخَطَرِ

الصفحة 25