كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ.
فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً، وَالْفَرْسَخُ بِأَمْيَال بَنَى أُمَيَّةَ مِيلاَنِ وَنِصْفٌ، فَالْمَسَافَةُ عَلَى هَذَا أَرْبَعُونَ مِيلاً.
وَالتَّقْدِيرُ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (1) وَعِنْدَهُمْ أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ تُحْسَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَافَةِ مُدَّةُ الرُّجُوعِ اتِّفَاقًا.
فَلَوْ كَانَتْ مُلَفَّقَةً مِنَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ لَمْ تَتَغَيَّرِ الأَْحْكَامُ. وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ مَرْحَلَتَانِ، وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الإِْبِل الْمُثْقَلَةِ بِالأَْحْمَال عَلَى الْمُعْتَادِ، مَعَ النُّزُول الْمُعْتَادِ لِنَحْوِ اسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلاَةٍ. قَال الأَْثْرَمُ: قِيل لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلاَةُ؟ قَال: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. قِيل لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَال: لاَ، أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَقَدْ قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ عُسْفَانَ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنَ الطَّائِفِ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنْ جَدَّةَ إِلَى مَكَّةَ. وَقَدْ صَرَّحَ
__________
(1) الميل مقياس للطول قدر قديما بأربعة آلاف ذراع، وهو الميل الهاشمي. ويقدر الآن بما يساوي 1609 من الأمتار وعليه تكون المسافة المبيحة للقصر حوالي 77 كيلو مترا وينظر مصطلح (مقادير) .
الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لأَِنَّهُ الْمُعْتَادُ لِلسَّيْرِ غَالِبًا لاَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَنَّ الْبَحْرَ كَالْبَرِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّ الْبَحْرَ لاَ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَسَافَةُ بَل الزَّمَانُ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقِيل بِاعْتِبَارِهَا فِيهِ كَالْبَرِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ إِذَا سَافَرَ وَبَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَرِّ وَبَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ، فَقِيل: يُلَفِّقُ مَسَافَةَ أَحَدِهِمَا لِمَسَافَةِ الآْخَرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَقِيل: لاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّفْصِيل عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يَضُرُّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، فَلَوْ قَطَعَ الأَْمْيَال فِي سَاعَةٍ مَثَلاً لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ عَلَى مَرْكُوبٍ جَوَادٍ تَغَيَّرَتِ الأَْحْكَامُ فِي حَقِّهِ لِوُجُودِ الْمَسَافَةِ الصَّالِحَةِ لِتَغَيُّرِ الأَْحْكَامِ؛ وَلأَِنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَافَرَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ هُوَ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،
__________
(1) مواهب الجليل 2 / 140 دار الفكر 1978م، حاشية الدسوقي1 / 358 دار الفكر، نهاية المحتاج 2 / 257 مطبعة مصطفى الحلبي 1967م القليوبي وعميرة 1 / 259 عيسى الحلبي، كشاف القناع 1 / 504 عالم الكتب 1983م.
الصفحة 29