كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
وَفِي قَصِّ السَّبَالَتَيْنِ عِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ شَارِبٍ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الأَْيْمَنِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُل شَيْءٍ (2) . وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُل مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ.
وَأَمَّا حَدُّ مَا يَقُصُّهُ: فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَلاَ يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ. . . (3) مَحْمُولٌ عَلَى مَا طَال عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَعَلَى الْحَفِّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ لاَ مِنْ أَصْل الشَّعْرِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ
__________
(1) حاشية العدوي على الفواكه الدواني 2 / 353، الفواكه الدواني 1 / 152، القوانين الفقهية 430.
(2) حديث: " كان يحب التيامن. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 523 - ط السلفية) ومسلم (1 / 226 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(3) حديث: " أحفوا الشوارب. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 349 - ط السلفية) ومسلم (1 / 222 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
شَارِبِهِ (1) ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيل الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَحْبِيل بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ قَال: رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ وَيَعْفُونَ لِحَاهُمْ وَيُصَغِّرُونَهَا: أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثَّمَالِيُّ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ، كَانُوا يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ (2) .
وَقَال الْمُحَاطِيُّ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ حَلْقُ الشَّارِبِ.
وَقَال الْبَاجُورِيُّ: إِحْفَاءُ الشَّارِبِ بِالْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ مَكْرُوهٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَظْهَرَ الشَّفَةُ، وَأَنْ يَقُصَّ مِنْهُ شَيْئًا وَيُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ؛ اسْتِحْبَابَ الإِْحْفَاءِ، ثُمَّ قَال: وَلَمْ نَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصًّا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا
__________
(1) حديث: " كان يقص أو يأخذ من شاربه. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 93 - ط الحلبي) ، وقال: " حديث حسن غريب ".
(2) أثر شرحبيل بن مسلم. أخرجه البيهقي (1 / 151 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
الصفحة 321