كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
أَعْرَابِيًّا أَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَال: هَل لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَال حُمْرٌ، قَال: فَهَل فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ قَال: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قَال: فَلَعَل ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَلْحَقُ نَسَبُ اللَّقِيطِ بِمُلْتَقِطِهِ وَلاَ بِغَيْرِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الأَْخْذَ بِقَوْل الْقَائِفِ وَالاِعْتِمَادَ عَلَى الشَّبَهِ. لَكِنَّهُمْ أَخَذُوا بِالشَّبَهِ فِي مَسَائِل، مِنْهَا: إِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ وَاخْتَلَطَ الْوَلَدَانِ، وَلَمْ تَعْرِفْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَهَا، عَيَّنَتْهُ الْقَافَةُ، وَتَعْتَمِدُ الْقَافَةُ فِي مَعْرِفَتِهَا الأَْنْسَابَ بِالشَّبَهِ عَلَى أَبٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ، لاَ عَلَى شَبَهِ عَصَبَةِ الأَْبِ الْمَدْفُونِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكْفِيَ قَائِفٌ وَاحِدٌ (2) . وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي
__________
(1) حديث: " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 175 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1137 - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) جواهر الإكليل 2 / 139، والزرقاني 6 / 110، والحطاب مع المواق 5 / 247 وحاشية الدسوقي 3 / 417، وتبصرة الحكام 2 / 108، 109.
مُصْطَلَحَاتِ (قَافَة، لُقَطَة، نَسَب) .
5 - ثَانِيًا: قَرَّرَ الأُْصُولِيُّونَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ نَاطَهُ بِهَا الشَّرْعُ، رِعَايَةً لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُْخْرَوِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لإِِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَسْلَكُ. وَهُنَاكَ مَسَالِكُ لِتَعْيِينِ الْعِلَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، كَالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، وَالسَّبْرِ، وَالتَّقْسِيمِ، وَالْمُنَاسَبَةِ، مَعَ تَفْصِيلٍ فِيهَا (1) . وَمَسَالِكُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، كَالشَّبَهِ وَقِيَاسِهِ، وَالطَّرْدِ وَالدَّوَرَانِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ الْمُشْتَمِل عَلَى الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ فَالشَّبَهُ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ، وَلاَ يُصَارُ إِلَى قِيَاسِهِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ تَعَدَّدَتِ الْعِلَّةُ يَتَعَذَّرُ الْمُنَاسِبُ بِالذَّاتِ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْبَاقِلاَّنِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالطَّرْدِ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ حُجَّةٌ لِشَبَهِهِ بِالْمُنَاسِبِ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الشَّبَهَ عِلَّةٌ وَلَيْسَ بِمَسْلَكٍ، بَل إِنْ ثَبَتَ بِمَسْلَكٍ مِنَ الْمَسَالِكِ الأُْخَرِ يُقْبَل، وَإِلاَّ فَلاَ
__________
(1) مسلم الثبوت 2 / 294، 295 وما بعدها.
الصفحة 337