كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

الثَّالِثُ: الْمَكْرُوهُ.
الرَّابِعُ: الْمُبَاحُ الَّذِي تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ.
وَيَدُل لِلتَّفْسِيرِ الأَْوَّل وَالثَّانِي مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ (1) .
وَوَجْهُ الدَّلِيل قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لاَ يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَمِنَ الْحَلاَل هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " كَثِيرٌ " أَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِهَا مُمْكِنٌ لِلْقَلِيل مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْمُجْتَهِدُونَ.
__________
(1) حديث: " الحلال بيّن والحرام بيّن. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 126 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1219 - 1220 - ط الحلبي) والترمذي (3 / 502 - ط الحلبي) ، واللفظ للبخاري.
فَالشُّبَهُ تَكُونُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ، أَوْ مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ. مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَال لاَ يُقَال: إِنَّهُ مِنَ الْحَلاَل الْبَيِّنِ وَلاَ مِنَ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَالْمُتَبَيِّنُ: هُوَ مَا لاَ إِشْكَال فِيهِ وَهُوَ مَا يَدُل عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِي قَوْلِهِ: الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ.
وَيَدُل لِلتَّفْسِيرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ يَتَجَاذَبُهُ جَانِبَا الْفِعْل وَالتَّرْكِ، وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ الَّذِي لاَ يُقْصَدُ بِهِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِيهِ الْفِعْل وَالتَّرْكُ، بَل يُقْصَدُ بِهِ مَا كَانَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، بِأَنْ يَكُونَ مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، رَاجِحَ التَّرْكِ عَلَى الْفِعْل بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ لأَِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ اجْتَرَأَ عَلَى الْحَرَامِ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمُبَاحِ اجْتَرَأَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ يَحْمِل اعْتِيَادُ تَعَاطِي الْمَكْرُوهِ - وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ - عَلَى ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْمُحَرَّمِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَيَدُل لَهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلاَل، مَنْ فَعَل اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَلِدِينِهِ (1) . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَلاَل حَيْثُ يُخْشَى أَنْ يُؤَوَّل فِعْلُهُ مُطْلَقًا
__________
(1) حديث: " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة. . . . ". أخرجه ابن حبان (الإحسان 7 / 437 - ط دار الكتب العلمية) .

الصفحة 339