كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ الأَْوَّل (أَيْ عَدَمُ التَّقْدِيرِ فِيمَا قَبْل الْمُوضِحَةِ) لأَِنَّهَا جِرَاحَاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَوْقِيتٌ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا حُكُومَةٌ كَجِرَاحَاتِ الْبَدَنِ، وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَال: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنَ الإِْبِل وَلَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَهَا (1) .
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَأِ فِي جِنَايَةِ الشَّجَّةِ الَّتِي قَبْل الْمُوضِحَةِ، فَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْمُوضِحَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الشِّجَاجِ فَفِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الإِْبِل فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الإِْبِل (2) .
وَقَدْ وَرَدَ تَفْصِيل دِيَاتِ الشِّجَاجِ فِي بَحْثِ (دِيَات) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ 21 83 ف 64 وَمَا بَعْدَهَا.
6 - وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الشِّجَاجِ عَمْدًا،
__________
(1) ابن عابدين 5 / 373، الزيلعي 6 / 133، والفواكه الدواني 2 / 263، والدسوقي 4 / 270 - 271، ومغني المحتاج 4 / 59، كشاف القناع 5 / 558 و 6 / 52، والمغني 8 / 55 - 56.
(2) حديث: " في الموضحة خمس من الإبل ". أخرجه النسائي (8 / 58 - 59 - ط المكتبة التجارية) وخرجه ابن حجر في التلخيص (4 / 17 - 18 - ط شركة الطباعة الفنية) وتكلم على أسانيده، ونقل تصحيحه عن جماعة من العلماء.
فَإِنْ كَانَتْ مُوضِحَةً فَفِيهَا الْقِصَاصُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (1) وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ الاِسْتِيفَاءُ فِيهَا بِغَيْرِ حَيْفٍ وَلاَ زِيَادَةٍ، لأَِنَّ لَهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ السِّكِّينُ وَهُوَ الْعَظْمُ، وَإِنْ كَانَتِ الشَّجَّةُ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ كَالْمُنَقِّلَةِ وَالآْمَّةِ فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا، لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا فَلاَ يُوثَقُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِثْل مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ بِخِلاَفِ الْمُوضِحَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَ الدِّيَةُ. لَكِنْ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جِنَايَةً فَوْقَ الْمُوضِحَةِ أَنْ يُقْتَصَّ مُوضِحَةً؛ لأَِنَّهُ يَقْتَصُّ بَعْضُ حَقِّهِ، وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحَل جِنَايَتِهِ، وَإِذَا اقْتَصَّ مُوضِحَةً كَانَ لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ؛ لأَِنَّهُ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ فِيهِ فَانْتَقَل إِلَى الْبَدَل، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَرْشُ مَا زَادَ عَلَى الْمُوضِحَةِ؛ لأَِنَّهُ جَرْحٌ وَاحِدٌ فَلاَ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ (2) .
وَأَمَّا الشِّجَاجُ الَّتِي قَبْل الْمُوضِحَةِ كَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلاَحِمَةِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَفِي ظَاهِرِ
__________
(1) سورة المائدة / 45.
(2) البدائع 7 / 309 وابن عابدين 5 / 373 والفواكه الدواني 2 / 264، والدسوقي 4 / 251 - 252، ومغني المحتاج 4 / 28، والمهذب 2 / 179، والمغني 7 / 710.

الصفحة 346