كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا لإِِمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقِصَاصِ بِالْوُقُوفِ عَلَى نِسْبَةِ الشَّجَّةِ فَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْل. وَاسْتُثْنِيَ مِنَ الْقَوْل بِالْقِصَاصِ الْحَارِصَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالسِّمْحَاقُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الشُّرُنْبُلاَلِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِيهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ الْمِثْل دُونَ حَيْفٍ، وَلأَِنَّهُ لاَ تَقْدِيرَ فِيهَا فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَالْخَطَأِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ قِصَاصَ فِي الشِّجَاجِ إِلاَّ فِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّمْحَاقِ إِنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِي السِّمْحَاقِ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَال: مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ خُدُوشٌ، وَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَال: مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ (1) .
__________
(1) البدائع 7 / 309، وابن عابدين 5 / 373، والدسوقي 4 / 250 - 252، ومغني المحتاج 4 / 26، والمغني 7 / 710.
ثَانِيًا: وَقْتُ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ فِي الشِّجَاجِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِصَاصِ فِي جِنَايَاتِ الشِّجَاجِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُرْءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلاً جَرَحَ رَجُلاً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ، فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَقَادَ مِنَ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ (1) . وَلأَِنَّ الْجُرْحَ يَحْتَمِل السِّرَايَةَ فَتَصِيرُ قَتْلاً فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ يَرَى الاِنْتِظَارَ بِالْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ.
لَكِنْ يَتَخَرَّجُ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الاِقْتِصَاصُ قَبْل الْبُرْءِ فَإِنِ اقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَبْل بُرْءِ جُرْحِهِ فَسِرَايَةُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَدَرٌ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَجُلاً طَعَنَ رَجُلاً بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أَقِدْنِي، فَقَال: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ
__________
(1) حديث: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح ". أخرجه الدارقطني (3 / 88 - 89 - ط دار المحاسن) ورجح إرساله ولكنه يتقوى بالذي بعده.
الصفحة 347