كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا (1) .
وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ، لاَ لِلتَّحْرِيمِ. وَنَقَل النَّوَوِيُّ الاِتِّفَاقَ عَلَى هَذَا (2) . وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ تَدُل عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ. قَال الْعِرَاقِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْجَوَازِ وَبَيْنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْمَنْعِ: إِنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ لِعُذْرٍ كَأَنْ تَكُونَ الْقِرْبَةُ مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَجِدِ الْمُحْتَاجُ إِلَى الشُّرْبِ إِنَاءً مُتَيَسِّرًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّنَاوُل بِكَفِّهِ فَلاَ كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ، وَعَلَى هَذَا تُحْمَل الأَْحَادِيثُ الَّتِي تَدُل عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ، وَبَيْنَ مَا يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتُحْمَل عَلَيْهِ أَحَادِيثُ النَّهْيِ (3) .
وَقِيل: لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ مِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي تَدُل عَلَى الْجَوَازِ إِلاَّ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ كُلُّهَا مِنْ قَوْلِهِ، فَهِيَ أَرْجَحُ (4) .
وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي النَّهْيِ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ دُخُول شَيْءٍ مِنَ الْهَوَامِّ مَعَ الْمَاءِ فِي جَوْفِ السِّقَاءِ، فَيَدْخُل فَمَ الشَّارِبِ
__________
(1) مطالب أولي النهى 5 / 248، والآداب الشرعية 3 / 182، وروضة الطالبين 7 / 340.
(2) عمدة القاري 21 / 199.
(3) نيل الأوطار 8 / 197 - ط العثمانية.
(4) عمدة القاري 21 / 199.
وَلاَ يَدْرِي. فَعَلَى هَذَا لَوْ مَلأََ السِّقَاءَ وَهُوَ يُشَاهِدُ الْمَاءَ الَّذِي يَدْخُل فِيهِ ثُمَّ رَبَطَهُ رَبْطًا مُحْكَمًا، ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ حَلَّهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، لاَ يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَقِيل: مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِلَفْظِ: نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ لأَِنَّ ذَلِكَ يُنْتِنُهُ (1) وَهَذَا عَامٌّ. وَقِيل: إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ مَنْ فِي السِّقَاءِ قَدْ يَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَنْصَبُّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَتِهِ فَلاَ يَأْمَنُ أَنْ يَشْرَقَ بِهِ أَوْ تَبْتَل ثِيَابُهُ (2) .
(9) الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الإِْنَاءِ:
11 - يُكْرَهُ الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الإِْنَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يَنْفُخَ فِي الشَّرَابِ (3) .
قَال الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا نَهَى عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ لأَِنَّهُ إِذَا شَرِبَ مِنْهَا تَصَبَّبَ الْمَاءُ
__________
(1) حديث: " نهى أن يشرب من فيّ السقاء، لأن ذلك ينتنه ". أخرجه الحاكم (4 / 140 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عائشة وقواه ابن حجر في الفتح (10 / 91 - ط السلفية) .
(2) عمدة القاري 21 / 199 - 200، والآداب الشرعية 3 / 182.
(3) حديث: " نهى عن الشرب من ثلمة القدح ". أخرجه أبو داود (4 / 111 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وإسناده حسن لغيره، وله شواهد ذكرها الهيثمي في المجمع (5 / 78 - ط القدسي) .
الصفحة 366