كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْهَا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَكَذَا إِذَا أَسَرَهَا الْكُفَّارُ وَأَمْكَنَهَا أَنْ تَهْرُبَ مِنْهُمْ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يَعْتَبِرُ الْحَنَفِيَّةُ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَفَرًا. قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: لأَِنَّهَا لاَ تَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا بَل النَّجَاةَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ، فَقَطْعُهَا الْمَسَافَةَ كَقَطْعِ السَّائِحِ.
وَلِذَا إِذَا وَجَدَتْ مَأْمَنًا كَعَسْكَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَنْ تُقِرَّ وَلاَ تُسَافِرَ إِلاَّ بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ. عَلَى أَنَّهَا لَوْ قَصَدَتْ مَكَانًا مُعَيَّنًا لاَ يُعْتَبَرُ قَصْدُهَا وَلاَ يَثْبُتُ السَّفَرُ بِهِ؛ لأَِنَّ حَالَهَا - وَهُوَ ظَاهِرُ قَصْدِ مُجَرَّدِ التَّخَلُّصِ - يُبْطِل تَحْرِيمَتَهَا.
قَال الدُّسُوقِيُّ: إِنْ كَانَ يَحْصُل لَهَا ضَرَرٌ بِكُلٍّ مِنْ إقَامَتِهَا وَخُرُوجِهَا دُونَ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، خُيِّرَتْ إِنْ تَسَاوَى الضَّرَرَانِ (1) .
كَمَا أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ.
وَلَمْ يَقُل بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ رُفْقَة ف 9
__________
(1) فتح القدير 2 / 331، مواهب الجليل 2 / 522، حاشية الدسوقي 2 / 9، مغني المحتاج 1 / 467.
(22 299) وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالْحَجِّ سَفَرَهَا الْوَاجِبَ، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ مِنَ النِّسَاءِ الثِّقَاتِ فِي كُل سَفَرٍ يَجِبُ عَلَيْهَا.
قَال الْبَاجِيُّ: وَلَعَل هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّمَا هُوَ فِي الاِنْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ، فَأَمَّا فِي الْقَوَافِل الْعَظِيمَةِ وَالطُّرُقِ الْمُشْتَرَكَةِ الْعَامِرَةِ الْمَأْمُونَةِ فَإِنَّهَا عِنْدِي مِثْل الْبِلاَدِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الأَْسْوَاقُ وَالتُّجَّارُ فَإِنَّ الأَْمْنَ يَحْصُل لَهَا دُونَ ذِي مَحْرَمٍ وَلاَ امْرَأَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الأَْوْزَاعِيِّ. قَال الْحَطَّابُ: وَذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيُقَيَّدُ بِهِ كَلاَمُ غَيْرِهِ. أَمَّا سَفَرُهَا فِي التَّطَوُّعِ فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ (1) .
كَمَا أَجَازَ الْفُقَهَاءُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي سَفَرِهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا فَإِنَّهَا تَتْبَعُ زَوْجَهَا حَيْثُ مَضَى لأَِنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ مِصْرِهَا وَمَقْصِدِهَا أَقَل مِنَ السَّفَرِ، فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ
__________
(1) مواهب الجليل 2 / 524، المنتقى شرح الموطأ للباجي 3 / 82 - 83.

الصفحة 38