كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)
أَثَرُ السَّفَهِ عَلَى الإِْقْرَارِ:
أَوَّلاً: الإِْقْرَارُ بِمَالٍ أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ:
45 - إِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ إِتْلاَفِ مَالٍ، أَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، فَهَل يَصِحُّ إِقْرَارُهُ قَضَاءً؟
فِي الْمَسْأَلَةِ آرَاءٌ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: عَدَمُ صِحَّةِ إِقْرَارِهِ سَوَاءٌ أَسْنَدَ وُجُوبَ الْمَال إِلَى مَا قَبْل الْحَجْرِ أَمْ إِلَى مَا بَعْدَهُ كَالصَّبِيِّ؛ إِذْ إِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ.
فَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ تَوَصَّل بِالإِْقْرَارِ إِلَى إِبْطَال مَعْنَى الْحَجْرِ، وَمَا لاَ يَلْزَمُهُ بِالإِْقْرَارِ وَالاِبْتِيَاعِ لاَ يَلْزَمُهُ إِذَا فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ؛ لأَِنَّا أَسْقَطْنَا حُكْمَ الإِْقْرَارِ وَالاِبْتِيَاعِ لِحِفْظِ الْمَال، فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِذَا فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرِ الْحَجْرُ فِي حِفْظِ الْمَال.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: بَعْدَ صَلاَحِهِ إِنْ سُئِل عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَقَال: كَانَ حَقًّا، أُخِذَ بِهِ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْهُ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَهُمْ قَوْلاَنِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ الأَْصَحُّ عَدَمُ إِلْزَامِهِ بِهِ؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ نُفُوذِ إِقْرَارِهِ فِي حَال الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَنُفُوذُهُ بَعْدَ فَكِّهِ عَنْهُ لاَ يُفِيدُ
إِلاَّ تَأْخِيرَ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إِلَى أَكْمَل حَالَتَيْهِ.
وَالرَّأْيُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ بَعْدَ فِكَاكِ حَجْرِهِ، لأَِنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَ زَوَال الْحَجْرِ كَالرَّاهِنِ وَالْمُفْلِسِ.
وَالرَّأْيُ الثَّالِثُ: يُقْبَل قَوْلُهُ؛ لأَِنَّهُ إِذَا بَاشَرَ الإِْتْلاَفَ يَضْمَنُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قُبِل قَضَاءً وَهُوَ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا دِيَانَةً، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي إِقْرَارِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ (1) .
ثَانِيًا: إِقْرَارُهُ بِاسْتِهْلاَكِ الْوَدِيعَةِ:
46 - إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ رَجُلٌ قَدْ هَلَكَتْ، لاَ يُصَدَّقُ فِي إِقْرَارِهِ وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ لَهُ بِالْمَال مَا دَامَ مَحْجُورًا كَالصَّبِيِّ (2) .
ثَالِثًا: إِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ:
47 - لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَوْل بِصِحَّتِهِ مِنْهُ، فَمَنْ أَجَازَ إنْشَاءَهُ مِنْهُ قَال بِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ، وَمَنْ قَال لاَ بُدَّ مِنْ إِذْنِ وَلِيِّهِ لَمْ يَعْتَبِرْ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. أَمَّا السَّفِيهَةُ فَيُقْبَل إِقْرَارُهَا لِمَنْ صَدَّقَهَا كَالرَّشِيدَةِ.
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 172، والمبسوط 24 / 177، والمبدع 4 / 344، 345، وكشاف القناع 3 / 443، وبلغة السالك 2 / 190.
(2) لمبسوط 24 / 177.
الصفحة 72