كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 25)

عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ بِالإِْكْرَاهِ حَلاَلٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً فَلاَ حَدَّ وَلاَ إِثْمَ (1) .
وَسَوَاءٌ أُكْرِهَ بِالْوَعِيدِ وَالضَّرْبِ أَوْ أُلْجِئَ إِلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُفْتَحَ فُوهُ وَتُصَبُّ فِيهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ (2) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْكْرَاهَ يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْل أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ أَوْ بِإِتْلاَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ؛ أَيْ بِقَيْدٍ أَوْ سَجْنٍ شَدِيدَيْنِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ لِسَحْنُونٍ (3) .
وَكَذَلِكَ لاَ حَدَّ عَلَى مَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا لِدَفْعِ غُصَّةٍ بِهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ مَائِعًا سِوَاهَا، وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (4) .
وَلأَِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ لِضَرُورَةِ الْغُصَّةِ حَلاَلٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (5) .
__________
(1) البدائع 17 / 39، المغني 8 / 307.
(2) المغني لابن قدامة 8 / 307، الإقناع 4 / 267.
(3) حاشية الدسوقي، 4 / 353، شرح منح الجليل، 4 / 552.
(4) سورة البقرة / 173.
(5) البدائع 7 / 39، حاشية الدسوقي 4 / 354، وجاء فيها خلافا لابن عرفة في عدم الجواز، شرح منح الجليل 4 / 552، مغني المحتاج 4 / 188، نهاية المحتاج 8 / 13، المغني 8 / 307، منتهى الإرادات 2 / 476، المحرر ص 162، الإقناع 4 / 266.
وَإِنْ شَرِبَهَا لِعَطَشٍ فَالْحَنَابِلَةُ (1) يَقُولُونَ: إِنْ كَانَتْ مَمْزُوجَةً بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ أُبِيحَتْ لِدَفْعِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَإِبَاحَتِهَا لِدَفْعِ الْغُصَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنَّهُ أَسَرَهُ الرُّومُ، فَحَبَسَهُ طَاغِيَتُهُمْ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَاءٌ مَمْزُوجٌ بِخَمْرٍ، وَلَحْمُ خِنْزِيرٍ مَشْوِيٌّ لِيَأْكُلَهُ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَتَرَكَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَفْعَل، ثُمَّ أَخْرَجُوهُ حِينَ خَشُوا مَوْتَهُ فَقَال: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُ لِي فَإِنِّي مُضْطَرٌّ وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لأُِشْمِتَكُمْ بِدِينِ الإِْسْلاَمِ (2) .
وَإِنْ شَرِبَهَا صِرْفًا أَوْ مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لاَ يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ يُبَحْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) يَحِل شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (4) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الأَْصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِعَطَشٍ
__________
(1) المغني 8 / 307، منتهى الإرادات 2 / 475، المحرر في الفقه ص 162.
(2) قصة عبد الله بن حذافة أوردها ابن حجر في الإصابة (2 / 296 - 297 - ط السعادة) وعزاها إلى البيهقي.
(3) المبسوط 24 / 28.
(4) سورة الأنعام / 119.

الصفحة 99