كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

وَالْفِقْهِ فِي ذَلِكَ.
وَهَل كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَبَّدُ قَبْل الْمَبْعَثِ بِشَرْعِ أَحَدٍ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ؟ مِنْهُمْ مَنْ قَال: كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الاِخْتِلاَفِ الأُْصُولِيِّ وَالْكَلاَمِيِّ فَإِنَّ مَا هُوَ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُل عَلَى إِقْرَارِهِ فَهُوَ شَرْعٌ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ مَا يَدُل عَلَى نَسْخِهِ فَلَيْسَ شَرْعًا لَنَا بِالاِتِّفَاقِ.
وَإِنْ سَكَتَ شَرْعُنَا عَنْ إِقْرَارِهِ وَنَسْخِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا، ثَابِتُ الْحُكْمِ عَلَيْنَا، إِذَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلاَ تَقْرِيرٍ، فَلاَ نَأْخُذُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ وَلاَ مِنْ كُتُبِهِمْ (1) .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (2) .
وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (3) .
وَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الآْيَاتِ وَغَيْرَهَا تَدُل عَلَى
__________
(1) رد المحتار 1 / 62، شرح العناية على الهداية مع فتح القدير 1 / 437، الفصول في الأصول 1 / 19، تبصرة الحكام 2 / 93، مطالب أولي النهى 4 / 206.
(2) سورة الأنعام الآيات 83 - 90.
(3) سورة النحل / 123.
أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ شَرْعٌ لَنَا، وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لاَزِمَةً لَنَا بِنَفْسِ وُرُودِهَا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ قَبْل مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا قَدْ صَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا بِوُرُودِهَا عَلَى شَرِيعَتِنَا وَلَزِمَنَا أَحْكَامُهَا. بِنَاءً عَلَى هَذَا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى آرَاءٍ فِقْهِيَّةٍ ذَهَبُوا إِلَيْهَا.
فَقَدِ اسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (1) عَلَى وُجُوبِ قَتْل الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، {قَال هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} (2) . عَلَى جَوَازِ قَسْمِ الشِّرْبِ بِالأَْيَّامِ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْقِبْهُ بِالنَّسْخِ فَصَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا مُبْتَدَأَةً (3) .
وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالأَْمَارَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} (4) . حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَدًّا عَلَى قَوْل إِخْوَةِ يُوسُفَ {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} (5) .
__________
(1) سورة المائدة / 45.
(2) سورة الشعراء / 155.
(3) بدائع الصنائع 6 / 188، ابن عابدين 5 / 343.
(4) سورة يوسف / 18.
(5) سورة يوسف / 17.

الصفحة 18