كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

شَهَادَاتِهِمْ وَاحِدًا، حَتَّى يَتَّفِقَ مِنْهُمْ شَاهِدَانِ عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ.
لَكِنْ فِي الْمَذْهَبِ خِلاَفٌ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ، فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ سُئِل مَالِكٌ عَنْ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا فِي مَنْزِلٍ أَنَّهُ مَسْكَنُ هَذَا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ حَيْزُهُ، فَقَال خَصْمُهُ: قَدِ اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُمَا. فَقَال مَالِكٌ: مَسْكَنُهُ وَحَيْزُهُ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ تَفْتَرِقُ. (1)

شَهَادَةُ الاِسْتِخْفَاءِ أَوِ الاِسْتِغْفَال:
62 - الْمُسْتَخْفِي هُوَ الَّذِي يُخْفِي نَفْسَهُ عَنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيُسْمَعَ قَرَارُهُ وَلاَ يُعْلَمَ بِهِ، كَأَنْ يَجْحَدَ الْحَقَّ عَلاَنِيَةً وَيُقِرَّ بِهِ سِرًّا، فَيَخْتَبِئُ شَاهِدَانِ فِي مَوْضِعٍ لاَ يَعْلَمُ بِهِمَا الْمُقِرُّ لِيَسْمَعَا إِقْرَارَهُ، وَلِيَشْهَدَا بِهِ مِنْ بُعْدٍ، فَشَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَخْدُوعٍ وَلاَ خَائِنٍ لأَِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ لاَ تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي؛ (2) لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُول: {وَلاَ تَجَسَّسُوا} (3)
__________
(1) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك 1 / 338
(2) الشرح الكبير 12 / 18، المغني 12 / 101، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 12 / 22، روضة الطالبين للنووي 11 / 243، تبصرة الحكام 1 / 378 وسماها (شهادة الإستغفال) البيان والتحصيل 10 / 56.
(3) سورة الحجرات / 12
شَهَادَةُ الزُّورِ:
63 - شَهَادَةُ الزُّورِ مِنَ الْكَبَائِرِ. (1) وَلاَ يَجُوزُ الْعَمَل بِهَا وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فِيمَا بَعْدُ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاَثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَال: أَلاَ وَقَوْل الزُّورِ. قَال: فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. (2)
وَلأَِنَّ فِيهَا رَفْعَ الْعَدْل، وَتَحْقِيقَ الْجَوْرِ.
فَإِذَا أَقَرَّ شَخْصٌ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ أَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، قَال أَبُو حَنِيفَةَ (3) : يُشَهَّرُ بِهِ فِي السُّوقِ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل السُّوقِ أَوْ فِي قَوْمِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ فِي مَكَانٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ، وَيُقَال: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ. (4)
__________
(1) انظر كتاب (الكبائر) للذهبي وقد جعل فيه شهادة الزور الكبيرة الثامنة عشرة فيه (ص 86)
(2) حديث " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 261 ـ ط السلفية) ومسلم (1 / 91) ـ ط الحلبي)
(3) الهداية 3 / 132، فتح القدير 6 / 83
(4) قوله " ويقال إنا وجدنا هذا شاهد زور. . " أصل ذلك ما ورد عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفعلون ذلك انظر أخبار القضاة لوكيع 2 / 19، 3 / 89، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 8 / 325 ـ 326 الأحاديث 15388 ـ 15390، جامع مسانيد الإمام الأعظم 2 / 274، المبسوط 16 / 145، سنن البيهقي الكبرى 10 / 141 ـ 142، الدراية 2 / 172

الصفحة 251