كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

4 - وَلاَ تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأَِنَّهَا نَفْيٌ لِشَهَادَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ لِلإِْثْبَاتِ دُونَ النَّفْيِ، وَقَدْ تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فَلاَ يُعَزَّرُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ ظُهُورِ فِسْقِهِ أَوْ غَلَطِهِ فِي الشَّهَادَةِ، لأَِنَّ الْفِسْقَ لاَ يَمْنَعُ الصِّدْقَ، وَالتَّعَارُضُ لاَ يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، وَالْغَلَطُ قَدْ يَعْرِضُ لِلصَّادِقِ الْعَدْل وَلاَ يَتَعَمَّدُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ. (1) وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} . (2)
قَال الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَ مَا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْل الْحُكْمِ أَمْ بَعْدَهُ. (3)

كَيْفِيَّةُ عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ:
5 - لَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ لَمْ تُقَدِّرْ عُقُوبَةً مُحَدَّدَةً
__________
(1) المبسوط للسرخسي 16 / 145، وفتح القدير 6 / 83، وتبيين الحقائق 4 / 241 ومواهب الجليل 6 / 122، وروضة الطالبين 11 / 145، وأسنى المطالب 4 / 358، والمغني 9 / 262.
(2) سورة الأحزاب آية: 33.
(3) المهذب 2 / 329 ط دار المعرفة بيروت، وتبصرة الحكام 2 / 52.
لِشَاهِدِ الزُّورِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ هِيَ التَّعْزِيرُ، قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عُقُوبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلاَتُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ لاَ مِنْ حَيْثُ مَبْدَأُ عِقَابِ شَاهِدِ الزُّورِ بِالتَّعْزِيرِ، إِذْ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْزِيرِهِ. إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ عَمْدًا عَزَّرَهُ وُجُوبًا وَشَهَّرَ بِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَال شُرَيْحٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْزِيرِ، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: تَأْدِيبُ شَاهِدِ الزُّورِ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ إِنْ رَأَى تَعْزِيرَهُ بِالْجَلْدِ جَلَدَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَهُ، أَوْ كَشْفَ رَأْسِهِ وَإِهَانَتَهُ وَتَوْبِيخَهُ فَعَل ذَلِكَ، وَلاَ يَزِيدُ فِي جَلْدِهِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَقَال الشَّافِعِيُّ: لاَ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّشْهِيرِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ: فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُوقِفُهُ فِي السُّوقِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل السُّوقِ، أَوْ مَحَلَّةِ قَبِيلَتِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْقَبَائِل، أَوْ فِي مَسْجِدِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْمَسَاجِدِ، وَيَقُول الْمُوَكَّل بِهِ: إِنَّ الْحَاكِمَ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَيَقُول: هَذَا شَاهِدُ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ.
6 - وَلاَ يُسَخَّمُ وَجْهٌ (أَيْ يُسَوِّدُهُ) لأَِنَّهُ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ، (1) وَلاَ يُرْكِبُهُ
__________
(1) حديث: " نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 119 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن يزيد.

الصفحة 255