كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

مَقْلُوبًا، وَلاَ يُكَلِّفُ الشَّاهِدَ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَل مِمَّا يَرَاهُ - مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى مُخَالَفَةِ نَصٍّ أَوْ مَعْنَى نَصٍّ. (1)
7 - وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ عُوقِبَ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ زُورٍ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ. وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: إِذَا أَخَذْتُمْ شَاهِدَ الزُّورِ فَاجْلِدُوهُ بِضَرْبِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَسَخِّمُوا وَجْهَهُ وَطَوِّفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُطَال حَبْسُهُ؛ لأَِنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ، فَقَال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْل الزُّورِ} (2) ، وَلأَِنَّ هَذِهِ
__________
(1) المدونة 6 / 203 ط دار صادر بيروت، وتبصرة الحكام 2 / 213 ط دار الكتب العلمية، والشرح الصغير 4 / 206 ط دار المعارف بمصر، والمهذب 2 / 330، وروضة الطالبين 11 / 144 - 145، المغني 9 / 260 - 262 ط الرياض.
(2) سورة الحج / آية: 30.
الْكَبِيرَةَ يَتَعَدَّى ضَرَرُهَا إِلَى الْعِبَادِ بِإِتْلاَفِ أَنْفُسِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. (1)
7 م - وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا أَقَرَّ الشَّاهِدُ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا: يُشَهَّرُ بِهِ فِي الأَْسْوَاقِ إِنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ بَيْنَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ فِي مَكَانِ تَجَمُّعِ النَّاسِ، وَيَقُول الْمُرْسَل مَعَهُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ، وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ، وَلاَ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ أَوِ الْحَبْسِ؛ لأَِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُ شَاهِدَ الزُّورِ وَلاَ يُعَزِّرُهُ، وَكَانَ قَضَايَاهُ لاَ تَخْفَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ؛ وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّوَصُّل إِلَى الاِنْزِجَارِ؛ وَهُوَ يَحْصُل بِالتَّشْهِيرِ، بَل رُبَّمَا يَكُونُ أَعْظَمَ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الضَّرْبِ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَالضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مَانِعًا عَنِ الرُّجُوعِ فَوَجَبَ التَّخْفِيفُ نَظَرًا إِلَى هَذَا الْوَجْهِ. (2)
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 289 - 290، وفتح القدير 6 / 83، والبحر الرائق 7 / 125، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 241، وتبيين الحقائق 4 / 242، وشرح العناية بهامش فتح القدير 4 / 84، وابن عابدين 4 / 395، والشرح الصغير 4 / 206، والقوانين الفقهية ص 203 ط دار القلم بيروت، وتبصرة الحكام 2 / 213.
(2) البحر الرائق 7 / 125 - 126، وتبيين الحقائق 4 / 242، والعناية بهامش فتح القدير 4 / 84، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 3 / 260، والبدائع 6 / 289 - 290.

الصفحة 256