كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلاً عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيل التَّوْبَةِ وَالنَّدَامَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِإِجْمَاعِهِمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُعْلَمَ رُجُوعُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ فَإِنَّهُ عَلَى الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْنَا. (1)

الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأَِنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ، وَلاَ يُزِيل شَيْئًا عَنْ صِفَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ الْعُقُودُ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفُسُوخُ، فَلاَ يَحِل لِلْمَقْضِيِّ لَهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، (2) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَل بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ
__________
(1) تبيين الحقائق 4 / 242.
(2) ابن عابدين 4 / 333، والشرح الصغير 4 / 295، وروضة الطالبين 11 / 152، والقليوبي 4 / 304، والمهذب 2 / 343، والمغني 9 / 60.
لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ. (1)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: يَنْفُذُ قَضَاءٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ حَيْثُ كَانَ الْمَحَل قَابِلاً، وَالْقَاضِي غَيْرَ عَالِمٍ بِزُورِهِمْ، لِقَوْل عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لاِمْرَأَةٍ أَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ فَقَضَى لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ تُزَوِّجُنِي؟ أَمَا وَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي، فَقَال: لاَ أُجَدِّدُ نِكَاحَكَ، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكَ؛ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بَاطِنًا بِالْقَضَاءِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ طَلَبِهَا.
9 - وَأَمَّا فِي الأَْمْلاَكِ الْمُرْسَلَةِ (أَيِ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ) فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الأَْسْبَابِ بِأَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلاَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الاِقْتِضَاءِ. (2)

تَضْمِينُ شُهُودِ الزُّورِ:
10 - مَتَى عُلِمَ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِالزُّورِ: تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بَاطِلاً، وَلَزِمَ نَقْضُهُ وَبُطْلاَنُ
__________
(1) حديث: " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 339 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1337 - ط الحلبي) من حديث أم سلمة.
(2) ابن عابدين 4 / 333، والمغني 9 / 60.

الصفحة 257