كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

فَاسْتَقَى بِنَحْوٍ مِنْ صَاعَيْنِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (1)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا؛ وَلأَِنَّ شُرُوعَهُ فِي كُل شَهْرٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقْدِ مِنَ الاِتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَجْرِهِ وَالرِّضَا بِبَذْلِهِ بِهِ جَرَى مَجْرَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ. (2)
وَالْمَالِكِيَّةُ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِصِحَّةِ الإِْجَارَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَعْتَبِرُونَ الإِْجَارَةَ لاَزِمَةً فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَهُمْ حَل الْعَقْدِ عَنْ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، وَلاَ كَلاَمَ لِلآْخَرِ. (3)
وَالْقَوْل الصَّحِيحُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَلأَِبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ لأَِنَّ " كُل " اسْمٌ لِلْعَدَدِ، فَإِذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ كَانَ مُبْهَمًا مَجْهُولاً فَيَكُونُ فَاسِدًا كَمَا لَوْ قَال: آجَرْتُكَ مُدَّةً أَوْ شَهْرًا. (4)
قَال فِي الإِْمْلاَءِ - وَهُوَ الْقَوْل الْمُقَابِل لِلصَّحِيحِ لِلشَّافِعِيَّةِ -: تَصِحُّ الإِْجَارَةُ فِي
__________
(1) حديث أبي هريرة: أن رجلا من الأنصار قال ليهودي: أسقي نخلك. أخرجه ابن ماجه (2 / 818 - 819 - ط الحلبي) وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 53 - ط دار الجنان) .
(2) المغني مع الشرح الكبير 6 / 18 - 19.
(3) الشرح الصغير 4 / 60.
(4) المهذب 1 / 403 نشر دار المعرفة، والمغني مع الشرح الكبير 6 / 18.
الشَّهْرِ الأَْوَّل، وَتَبْطُل فِيمَا زَادَ؛ لأَِنَّ الشَّهْرَ الأَْوَّل مَعْلُومٌ وَمَا زَادَ مَجْهُولٌ، فَصَحَّ فِي الْمَعْلُومِ وَبَطَل فِي الْمَجْهُول، كَمَا لَوْ قَال: آجَرْتُكَ هَذَا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ (1) .

الْمُرَادُ بِالشَّهْرِ فِي الإِْجَارَةِ:
6 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ إِذَا انْطَبَقَ عَلَى أَوَّل الشَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ وَمَا بَعْدَهُ بِالأَْهِلَّةِ (2) .
وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقِ الْعَقْدُ عَلَى أَوَّل الشَّهْرِ تَمَّمَ الْمُنْكَسِرَ بِالْعَدَدِ مِنَ الأَْخِيرِ، وَيُحْسَبُ الثَّانِي بِالأَْهِلَّةِ. بِهَذَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ (3) .
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ - نَقَلَهَا عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ - وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يُسْتَوْفَى الْجَمِيعُ بِالْعَدَدِ؛ لأَِنَّ الشَّهْرَ الأَْوَّل يَكْمُل بِالأَْيَّامِ مِنَ الثَّانِي، فَيَصِيرُ أَوَّل الثَّانِي
__________
(1) المهذب 1 / 403.
(2) فتح القدير 3 / 30 ط بولاق، وابن عابدين 5 / 32، ومطالب أولي النهى 3 / 622، والمغني مع الشرح الكبير 6 / 5، والمهذب 1 / 403.
(3) المغني مع الشرح الكبير 6 / 5، ومطالب أولي النهى 3 / 622، وفتح القدير 3 / 30، والمهذب 1 / 403، وروضة الطالبين 5 / 197، والقوانين الفقهية ص 236، والشرح الصغير 2 / 673.

الصفحة 263