كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

مِنْهُ بِغَيْرِ آفَةٍ فِي الْغَالِبِ كَالأَْنْفِ، وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ فَيُغَسَّل. وَالأَْصْل عِنْدَهُمْ فِي غُسْل الشَّهِيدِ: أَنَّ كُل مَنْ صَارَ مَقْتُولاً فِي قِتَال أَهْل الْحَرْبِ أَوِ الْبُغَاةِ، أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، بِمَعْنًى مُضَافٍ إِلَى الْعَدُوِّ كَانَ شَهِيدًا، سَوَاءٌ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ، وَكُل مَنْ صَارَ مَقْتُولاً بِمَعْنًى غَيْرِ مُضَافٍ إِلَى الْعَدُوِّ لاَ يَكُونُ شَهِيدًا. فَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنَ الْعَدُوِّ أَوِ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا، أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إِلَى الْعَدُوِّ فَأَصَابَ مُسْلِمًا، أَوْ هَرَبَ الْمُسْلِمُونَ فَأَلْجَأَهُمُ الْعَدُوُّ إِلَى خَنْدَقٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ جَعَل الْمُسْلِمُونَ الْحَسَكَ (1) حَوْلَهُمْ، فَمَشَوْا عَلَيْهَا، فِي فِرَارِهِمْ، أَوْ هُجُومِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ فَمَاتُوا يُغَسَّلُونَ، وَكَذَا إِنْ صَعِدَ مُسْلِمٌ حِصْنًا لِلْعَدُوِّ لِيَفْتَحَ الْبَابَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَزَلَّتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ، يُغَسَّل (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُغَسَّل الشَّهِيدُ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ إِلاَّ إِنْ كَانَ جُنُبًا أَوِ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، أَوْ نِفَاسِهَا، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلاَ أَثَرَ بِهِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فِي الْقِتَال أَوْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ مِنْهَا، أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سَهْمُهُ
__________
(1) الحسك: ما يعمل من الحديد على مثال الشوك ويلقى حول العسكر ويبث في ممرات الخيل فينشب في حوافرها.
(2) الفتاوى الهندية 1 / 167.
فِيهَا، فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ: يُغَسَّل، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْل الْعَدُوِّ، وَمَنْ قُتِل مَظْلُومًا، بِأَيِّ سِلاَحٍ قُتِل، كَقَتِيل اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِ يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، فَلاَ يُغَسَّل فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: يُغَسَّل مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ أَوِ الْبُغَاةُ.
أَمَّا مَنْ مَاتَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ: كَالْغَرِيقِ، وَالْمَبْطُونِ، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَاتَتْ فِي الْوِلاَدَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي الآْخِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (2) .

إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنِ الشَّهِيدِ:
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ دَمِ الشَّهَادَةِ تُغْسَل عَنْهُ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلاَ تُغْسَل النَّجَاسَةُ إِذَا كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى إِزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ (3) .
وَسَبَقَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تُغْسَل عَنِ الشَّهِيدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
__________
(1) الإنصاف 2 / 501،502 وما بعده.
(2) المجموع 5 / 260، وروضة الطالبين 2 / 118، ومواهب الجليل 2 / 246.
(3) أسنى المطالب 1 / 315، روضة الطالبين 2 / 120، الإنصاف 2 / 499، مواهب الجليل 2 / 249.

الصفحة 277