كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَنَصَّرَ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ عَلَى دِينِهِمْ، احْتَالُوا بِأَنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ الصَّابِئَةَ، لِيَسْلَمُوا وَيَبْقَوْا فِي الذِّمَّةِ (1)
. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُمُ الصَّابِئَةَ أَوَّلاً، وَأَنَّهُمْ تَسَمَّوْا بِذَلِكَ فِي آخِرِ عَهْدِ الْمَأْمُونِ.
وَأَفَادَ الْبَيْرُونِيُّ: أَنَّ هَذِهِ النِّحْلَةَ هِيَ نِحْلَةُ فَلاَسِفَةِ الْيُونَانِيِّينَ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْل النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَنَّ مِنْ فَلاَسِفَتِهَا: فِيثَاغُورْسُ، وَأَغَاذِيمُونُ، وَوَالِيسُ، وَهُرْمُسُ، وَكَانَتْ لَهُمْ هَيَاكِل بِأَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ، وَأَنَّ الْيُونَانِيِّينَ، وَمِنْ بَعْدِهِمُ الرُّومَانُ، كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّحْلَةِ، ثُمَّ لَمَّا غَلَبَتِ النَّصْرَانِيَّةُ عَلَى بِلاَدِ الرُّومِ وَالْيُونَانِ وَتَنَصَّرَ أَهْل هَذِهِ النِّحْلَةِ: بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْل الْمَشْرِقِ بَقَايَا، وَلَمْ يَكُنِ اسْمُهُمُ الصَّابِئَةَ، وَإِنَّمَا تَسَمَّوْا بِذَلِكَ فِي عَصْرِ الْمَأْمُونِ سَنَةَ 228 هـ (2) وَهُمْ لَيْسُوا مِنَ الصَّابِئَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، بَل حَقِيقَةُ الصَّابِئَةِ هُمُ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ.
ب - وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ لَهُمْ شَبَهٌ بِالنَّصَارَى.
قَال الْجَصَّاصُ: وَهَؤُلاَءِ بِنَوَاحِي كَسْكَرَ
__________
(1) الفهرست لابن النديم ص 444 - 446.
(2) كذا في كتاب البيروني المطبوع والصواب: 218 هـ وهي السنة التي توفي فيها المأمون.
وَالْبَطَائِحِ (مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ) وَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنَ النَّصَارَى إِلاَّ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ دِيَانَتِهِمْ؛ لأَِنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهُمُ: الْمَرْقُونِيُّونَ، والآْرْيُوسِيَّةُ، وَالْمَارُونِيَّةُ. وَالْفِرَقُ الثَّلاَثُ مِنَ النَّسْطُورِيَّةِ، وَالْمَلْكِيَّةِ، وَالْيَعْقُوبِيَّةِ يَبْرَءُونَ مِنْهُمْ وَيُجَرِّمُونَهُمْ. وَهُمْ يَنْتَمُونَ إِلَى يَحْيَى وَشِيثٍ. قَال: وَالنَّصَارَى تُسَمِّيهِمْ يُوحَانِسِيَّةَ. أهـ. قَال الْجَصَّاصُ: فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَعْلِهِ الصَّابِئَةَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى هَؤُلاَءِ.
وَأَمَّا الْبَيْرُونِيُّ فَيَرَى: أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ أَصْلُهَا الْيَهُودُ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ بُخْتَ نَصَّرَ، وَأَجْلاَهُمْ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ إِلَى بَابِل مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ كُورَشُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى فِلَسْطِينَ تَخَلَّفَ بِالْعِرَاقِ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وَآثَرُوا الإِْقَامَةَ فِي بَابِل، وَلَمْ يَكُونُوا فِي دِينِهِمْ بِمَكَانٍ مُعْتَمَدٍ، فَسَمِعُوا أَقَاوِيل الْمَجُوسِ وَصَبَوْا إِلَى بَعْضِهَا، فَامْتَزَجَ مَذْهَبُهُمْ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ. قَال: وَهَؤُلاَءِ هُمُ الصَّابِئُونَ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ الاِسْمُ أَشْهَرُ بِالْفِرْقَةِ الأُْولَى، وَكَذَا مَيَّزَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَقَال ابْنُ الْهُمَامِ: قِيل: فِي الصَّابِئَةِ الطَّائِفَتَانِ، وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي قَال الْبَعْضُ إِنَّهُمْ مِنَ النَّصَارَى يُسَمَّوْنَ (الْمَنْدَائِيِّينَ) وَمِنْهُمُ الآْنَ بَقَايَا فِي جَنُوبِ
الصفحة 296