كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى: {إِذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (1) وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، كَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ لاَ يَكْفُرُ بِهَذَا الإِْنْكَارِ. وَهُوَ مَفْهُومُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَكْفُرُ لِتَكْذِيبِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلأَِنَّهُ يَعْرِفُهَا الْعَامُّ، وَالْخَاصُّ، وَانْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، فَنَافِي صُحْبَةِ أَحَدِهِمْ، أَوْ كُلِّهِمْ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .

سَبُّ الصَّحَابَةِ:
8 - مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَإِنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ، أَوْ فِي دِينِهِمْ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ، أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ.
أَمَّا إِنْ رَمَاهُمْ بِمَا يَقْدَحُ فِي دِينِهِمْ أَوْ عَدَالَتِهِمْ كَقَذْفِهِمْ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ الصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ: عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) سورة التوبة / 40.
(2) أسنى المطالب 4 / 118، وحاشية الدسوقي 4 / 303، وكشاف القناع 6 / 172.
بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ.
أَمَّا بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّهُمْ، فَقَال الْجُمْهُورُ: لاَ يَكْفُرُ بِسَبِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ (1) وَيَكْفُرُ بِتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوِ الْقَوْل بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: أَنَّ نَقَلَةَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ كُفَّارٌ، أَوْ فَسَقَةٌ، وَأَنَّ هَذِهِ الأُْمَّةَ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الأَْوَّل كَانَ عَامَّتُهُمْ كُفَّارًا، أَوْ فُسَّاقًا، وَمَضْمُونُ هَذَا: أَنَّ هَذِهِ الأُْمَّةَ شَرُّ الأُْمَمِ، وَأَنَّ سَابِقِيهَا هُمْ أَشْرَارُهَا، وَكُفْرُ مَنْ يَقُول هَذَا مِمَّا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (2) .
وَجَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: يَجِبُ إِكْفَارُ مَنْ كَفَّرَ عُثْمَانَ، أَوْ عَلِيًّا، أَوْ طَلْحَةَ، أَوْ عَائِشَةَ، وَكَذَا مَنْ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ يَلْعَنُهُمَا (3) .
__________
(1) نهاية المحتاج 7 / 419، شرح الزرقاني 8 / 74، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية 6 / 318، 319.
(2) مطالب أولي النهى 6 / 282.
(3) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية 6 / 318 - 319، مطالب أولي النهى 6 / 287.

الصفحة 316