كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
بِعَيْنِهِ، ثُمَّ سَقَطَ - لاَ عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَوِ الْجَانِي، حَتَّى تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، وَيَصْدُقُ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَقْبَل الشَّرِكَةَ، وَهُوَ مَا الْتَزَمَاهُ فِي ذِمَّتَيْهِمَا: وَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ بِضْعَ الْمَرْأَةِ، وَسُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنِ الْجَانِي، كِلاَهُمَا لاَ يَقْبَل الشَّرِكَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْل ذَلِكَ فِي الإِْجَارَةِ إِذَا قُيِّدَتْ بِنَفْسِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيل الْمَال الْمُطْلَقِ (1) .
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ شَرِيكَهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ - بِمَعْنَى أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ هَذَا الرُّجُوعِ وَالرُّجُوعِ عَلَى الدَّيْنِ - إِلاَّ فِيمَا هُوَ لَوِ اقْتَضَاهُ وَقَبَضَ فِي الْمَعْنَى، حَيْثُ يُسَلَّمُ لِلْقَابِضِ شَيْءٌ يَقْبَل الشَّرِكَةَ، لاَ فِيمَا هُوَ قَضَاءٌ أَوْ إِتْلاَفٌ.
إِلاَّ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حَالَةِ الصُّلْحِ - وَقِوَامُهُ الْمُسَامَحَةُ وَالتَّغَاضِي - يَخْتَلِفُ عَنْهُ فِيمَا عَدَاهُ مِمَّا يَعْتَمِدُ الْمُمَاكَسَةَ وَالتَّشَاحَّ: كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ: فَإِنَّ فِي حَالَةِ الْبَيْعِ مَثَلاً، يَكُونُ لِلشَّرِيكِ بِالنِّصْفِ أَنْ يَرْجِعَ بِالرُّبُعِ عَلَى شَرِيكِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَدِينِ، وَأَنْ يُلْزِمَهُ بِذَلِكَ، إِذْ لاَ غَبْنَ فِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، نَظَرًا
__________
(1) تبيين الحقائق 5 / 47.
إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَدَّخِرَ وُسْعًا فِي الْحُصُول عَلَى مَا يُعَادِل أَوْ يَفُوقُ الثَّمَنَ الَّذِي يَدْفَعُهُ. وَلاَ شَأْنَ لِلشَّرِيكِ الرَّاجِعِ بِمَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ وَقَعَ التَّقَاصُّ بَيْنَ هَذَا الثَّمَنِ وَمَا يُسَاوِيهِ مِنَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ الْبَائِعِ - نَعَمْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَجْعَلاَ هَذَا الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُمَا، وَهِيَ صَفْقَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ: كَأَنَّ الشَّرِيكَ الرَّاجِعَ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِرُبُعِ الدَّيْنِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
أَمَّا فِي حَالَةِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ إِذَا رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى شَرِيكِهِ الَّذِي صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ بِشَيْءٍ مَا، لَمْ يَمْلِكْ إِلْزَامَهُ بِرُبُعِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا حَصَل عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ، لِبِنَائِهِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا قُلْنَا. بَل يَكُونُ لِلشَّرِيكِ الصَّالِحِ الْخِيَارُ بَيْنَ إِعْطَائِهِ رُبُعَ الدَّيْنِ، وَإِعْطَائِهِ نِصْفَ الشَّيْءِ الَّذِي صَالَحَ عَلَيْهِ (1) .
إِذَا أَبْرَأَ أَحَدُ الدَّائِنَيْنِ مَدِينَهُمَا مِنْ بَعْضِ حِصَّتِهِ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، لَمْ يَبْقَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ إِلاَّ بَاقِي حِصَّتِهِ، وَلِلآْخَرِ حِصَّتُهُ كَامِلَةً: فَإِذَا وَقَعَ لَهُمَا قَبْضُ شَيْءٍ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 66 - 68، ومجمع الأنهر 2 / 317 - 318، وتبيين الحقائق 5 / 45 - 48.
الصفحة 32