كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ: فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مِنْهُ تُعْتَبَرُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةَ ضَرَرًا دُنْيَوِيًّا، وَالَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ، كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَقْفِ، وَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ لاَ تَصِحُّ، بَل تَقَعُ بَاطِلَةً، حَتَّى لَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ؛ لأَِنَّ إِجَازَتَهُمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ لاَغِيَةٌ، وَقَدِ اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَعْقِل الْوَصِيَّةَ (1) .
وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ لِلسَّفَهِ، أَوِ الإِْفْلاَسِ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فَلاَ تَصِحُّ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ (2) وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حَجْرٌ)
وَكَمَا لاَ تَصِحُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مِنَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لاَ تَصِحُّ الصَّدَقَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْ قِبَل أَوْلِيَائِهِمْ نِيَابَةً عَنْهُمْ، لأَِنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ التَّبَرُّعَ مِنْ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 508، 5 / 110، ومجلة الأحكام العدلية م / 967، والتوضيح مع التلويح 3 / 159، والمنثور للزركشي 2 / 301، والمغني لابن قدامة 5 / 663، وجواهر الإكليل 2 / 97، 98 وشرح منتهى الإرادات 2 / 539، والخرشي 8 / 167.
(2) ابن عابدين 5 / 89 - 92، ومجلة الأحكام العدلية م (998) والمغني لابن قدامة 5 / 663، و4 / 520، وجواهر الإكليل 2 / 97، 98.
أَمْوَال مَنْ تَحْتَ وِلاَيَتِهِمْ (1)
ب - أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَال الْمُتَصَدَّقِ بِهِ، أَوْ وَكِيلاً عَنْهُ، فَلاَ تَصِحُّ الصَّدَقَةُ مِنْ مَال الْغَيْرِ بِلاَ وَكَالَةٍ. وَمَنْ فَعَل ذَلِكَ يَضْمَنُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ؛ لأَِنَّهُ ضَيَّعَ مَال الْغَيْرِ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، يَقُول التُّمُرْتَاشِيُّ: شَرَائِطُ صِحَّةِ الْهِبَةِ فِي الْوَاهِبِ: الْعَقْل، وَالْبُلُوغُ، وَالْمِلْكُ (2) . ثُمَّ قَال: وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ بِجَامِعِ التَّبَرُّعِ (3)
وَلأَِنَّ الصَّدَقَةَ مِنَ الْقُرُبَاتِ فَتُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِيمَا إِذَا تَصَدَّقَ مِنْ مَال الْغَيْرِ دُونَ إِذْنِهِ.
صَدَقَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ مَال زَوْجِهَا:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلسَّائِل وَغَيْرِهِ بِمَا أَذِنَ الزَّوْجُ صَرِيحًا. كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ مِنْ مَال الزَّوْجِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إِذَا كَانَ يَسِيرًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) (4) .
وَيَسْتَدِل الْفُقَهَاءُ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَال رَسُول
__________
(1) التوضيح والتلويح 3 / 159، 160.
(2) الدر المختار بهامش ابن عابدين 4 / 508.
(3) نفس المرجع 4 / 522، وانظر المغني 4 / 516.
(4) الهداية في فتح القدير 7 / 341، وشرح الترمذي لابن العربي 3 / 177، 178، وشرح النووي على صحيح مسلم 7 / 112، والمغني 4 / 516.
الصفحة 327