كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ (1) .
وَلأَِنَّ الإِْسْرَارَ بِالتَّطَوُّعِ يَخْلُو عَنِ الرِّيَاءِ وَالْمَنِّ، وَإِعْطَاءُ الصَّدَقَةِ سِرًّا يُرَادُ بِهِ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَهُ. وَنُقِل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَوْلُهُ: صَدَقَةُ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ أَفْضَل مِنْ صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا (2) .
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْحَال فِي الصَّدَقَةِ يَخْتَلِفُ بِحَال الْمُعْطِي لَهَا وَالْمُعْطَى إِيَّاهَا وَالنَّاسِ الشَّاهِدِينَ لَهَا.
أَمَّا الْمُعْطِي فَلَهُ فَائِدَةُ إِظْهَارِ السُّنَّةِ وَثَوَابِ الْقُدْوَةِ، وَآفَتُهَا الرِّيَاءُ، وَالْمَنُّ، وَالأَْذَى. وَأَمَّا الْمُعْطَى إِيَّاهَا فَإِنَّ السِّرَّ أَسْلَمُ لَهُ مِنَ احْتِقَارِ النَّاسِ لَهُ، أَوْ نِسْبَتِهِ إِلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا مَعَ الْغِنَى وَتَرْكِ التَّعَفُّفِ.
وَأَمَّا حَال النَّاسِ فَالسِّرُّ عَنْهُمْ أَفْضَل مِنَ الْعَلاَنِيَةِ لَهُمْ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا طَعَنُوا عَلَى الْمُعْطِي لَهَا بِالرِّيَاءِ، وَعَلَى الآْخِذِ لَهَا
__________
(1) تفسير القرطبي 2 / 232، 234، وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 236، وحاشية القليوبي 3 / 204، 205، والمهذب 1 / 183، وكشاف القناع 2 / 266. وحديث: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء. . . ". أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - وإسناده حسن (مجمع الزوائد 3 / 115 نشر مكتبة القدسي) .
(2) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 236.
بِالاِسْتِغْنَاءِ، وَلَهُمْ فِيهَا تَحْرِيكُ الْقُلُوبِ إِلَى الصَّدَقَةِ. لَكِنَّ هَذَا الْيَوْمَ قَلِيلٌ (1) وَيَقُول الْخَطِيبُ: إِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَأَظْهَرَهَا لِيُقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلاَ سُمْعَةٍ، فَهُوَ أَفْضَل (2) .
أَمَّا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ إِظْهَارَهَا أَفْضَل كَصَلاَةِ الْفَرْضِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ.

تَرْكُ الْمَنِّ وَالأَْذَى:
26 - يَحْرُمُ الْمَنُّ وَالأَْذَى بِالصَّدَقَةِ، وَيَبْطُل الثَّوَابُ بِذَلِكَ، فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَنِّ وَالأَْذَى، وَجَعَلَهُمَا مُبْطِلَيْنِ لِلصَّدَقَاتِ حَيْثُ قَال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} (3) وَحَثَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيل اللَّهِ بِعَدَمِ إِتْبَاعِ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى فَقَال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (4)
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فِي أَنَّ الْمَنَّ وَالأَْذَى فِي الصَّدَقَةِ حَرَامٌ يُبْطِل الثَّوَابَ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: عَبَّرَ تَعَالَى عَنْ عَدَمِ الْقَبُول
__________
(1) نفس المرجع.
(2) مغني المحتاج 3 / 121.
(3) سورة البقرة الآية 264.
(4) سورة البقرة الآية 262.

الصفحة 340