كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهُ: لَوْ صَارَفَ رَجُلاً دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْتَرِقَا قَبْل قَبْضِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا. فَإِنْ قَبَضَ الْخَمْسَةَ وَافْتَرَقَا بَطَل الصَّرْفُ فِي نِصْفِ الدِّينَارِ. وَهَل يَبْطُل فِي مَا يُقَابِل الْخَمْسَةَ الْمَقْبُوضَةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (1) .
ثَانِيًا - الْخُلُوُّ عَنِ الْخِيَارِ:
16 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ) أَنَّ الصَّرْفَ لاَ يَصِحُّ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ. فَإِنْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِيهِ لِكِلاَ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لأَِحَدِهِمَا فَسَدَ الصَّرْفُ، لأَِنَّ الْقَبْضَ فِي هَذَا الْعَقْدِ شَرْطُ صِحَّةٍ، أَوْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ (2) وَالْخِيَارُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ كَمَا قَال الْكَاسَانِيُّ. قَال ابْنُ الْهُمَامِ، لاَ يَصِحُّ فِي الصَّرْفِ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لأَِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ أَوْ تَمَامَهُ، وَذَلِكَ يُخِل بِالْقَبْضِ
__________
(1) المغني لابن قدامة 4 / 60.
(2) اختلف الفقهاء في القبض: هل هو شرط صحة العقد، أو شرط البقاء على الصحة؟ فقيل: هو شرط الصحة، فعلى هذا ينبغي أن يشترط القبض مقرونا بالعقد إلا أن حالهما قبل الافتراق جعلت كحالة العقد تيسيرا، فإذا وجد القبض فيه يجعل كأنه وجد حالة العقد، وقيل: هو شرط الب ونهاية المحتاج 3 / 412، وشرح منتهى الإرادات 2 / 200) .
الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ الْقَبْضُ الَّذِي يَحْصُل بِهِ التَّعْيِينُ. لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ يَعُودُ الْعَقْدُ إِلَى الْجَوَازِ، لاِرْتِفَاعِهِ قَبْل تَقَرُّرِهِ خِلاَفًا لِزُفَرَ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَبْطُل الصَّرْفُ بِتَخَايُرٍ، أَيْ: بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِيهِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْزَمُ بِالتَّفَرُّقِ (2) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، بِخِلاَفِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الْمِلْكَ فَلاَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: لاَ يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ، لأَِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى مِثْلِهَا لاَ عَيْنِهَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، لِصَاحِبِ الدِّينَارِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ. وَكَذَا لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ (3) .
ثَالِثًا - الْخُلُوُّ عَنِ اشْتِرَاطِ الأَْجَل:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الصَّرْفِ إِدْخَال الأَْجَل لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ
__________
(1) البدائع 5 / 219، وفتح القدير مع الهداية 6 / 258، 263، وجواهر الإكليل 2 / 14، والحطاب 4 / 308، ومغني المحتاج 2 / 24.
(2) شرح منتهى الإرادات 2 / 201.
(3) فتح القدير على الهداية 6 / 258، والمراجع السابقة، وانظر إرشاد السالك مع أسهل المدارك 2 / 234، والمدونة 4 / 189، والجمل 3 / 103، والبدائع 5 / 219، وتكملة المجموع للسبكي 10 / 8.
الصفحة 354