كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)

النَّوْعُ الْخَامِسُ - الصَّرْفُ عَلَى الذِّمَّةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ:
لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الصَّرْفِ عِدَّةُ صُوَرٍ:

36 - الأُْولَى: أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضْتَ أَنْتَ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ إِلَى جَانِبِكَ، وَاسْتَقْرَضَ هُوَ الدَّرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ، فَدَفَعْتَ إِلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضْتَ الدَّرَاهِمَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ: صَحَّ الصَّرْفُ إِذَا تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ لأَِنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ يَجْرِي مَجْرَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْعَقْدِ (1) .
وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الصَّرْفُ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا حَاضِرًا وَاسْتَقْرَضَ الآْخَرُ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَسَلَّفَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ تَسَلُّفَهُمَا مَظِنَّةُ الطُّول الْمُخِل بِالتَّقَابُضِ، وَإِنْ تَسَلَّفَ أَحَدُهُمَا وَطَال فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَطُل جَازَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يُجِزْهُ أَشْهَبُ. قَال الْحَطَّابُ: وَلُقِّبَتِ الْمَسْأَلَةُ بِالصَّرْفِ عَلَى الذِّمَّةِ (3) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 235، ومغني المحتاج 2 / 23، 25، والمغني لابن قدامة 4 / 51، 52.
(2) ابن عابدين 4 / 235، ومغني المحتاج 2 / 23 - 25، والمغني لابن قدامة 4 / 51، 52.
(3) مواهب الجليل للحطاب 4 / 309، الموافق عليه 4 / 310.
37 - الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ ذَهَبٌ وَلِلآْخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ مَثَلاً، فَاصْطَرَفَا بِمَا فِي ذِمَّتَيْهِمَا. وَلُقِّبَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالصَّرْفِ فِي الذِّمَّةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الصَّرْفِ، وَعَلَّلُوا عَدَمَ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ بِالإِْجْمَاعِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَفُسِّرَ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (1) .
38 - وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: صَحَّ بَيْعُ مَنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ دَيْنٌ بِدِينَارٍ مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ، أَيْ مِنْ دَائِنِهِ، فَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ دَيْنٌ، فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَدَفَعَ الدِّينَارَ إِلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الْعَشْرَتَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى مُوَافَقَةٍ أُخْرَى.
وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ جَعَل ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لاَ يَجِبُ قَبْضُهَا، وَلاَ تَعَيُّنُهَا بِالْقَبْضِ؛ لأَِنَّ التَّعْيِينَ لِلاِحْتِرَازِ عَنِ الرِّبَا، أَيْ: رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلاَ
__________
(1) الروضة 3 / 516، ومغني المحتاج 2 / 25، والمغني لابن قدامة 4 / 53، 54، وكشاف القناع 3 / 270. وحديث: " نهى عن بيع الكالئ بالكالئ " أخرجه البيهقي (5 / 290 - ط. دار المعارف العثمانية) وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام (ص193 - ط عبد المجيد حنفي) .

الصفحة 364