كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
الْمَغْشُوشَةِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ أَخْذُهَا وَإِمْسَاكُهَا إِذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي فِي أَيْدِي النَّاسِ خَالِصًا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَغْرِيرَ النَّاسِ فَلَوْ كَانَ جِنْسُ النَّقْدِ مَغْشُوشًا فَلاَ كَرَاهَةَ.
قَال السُّبْكِيُّ: وَأَفَادَ الرُّويَانِيُّ - أَيْضًا - أَنَّ الْغِشَّ لَوْ كَانَ قَلِيلاً مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لاَ يَأْخُذُ حَظًّا مِنَ الْوَرِقِ فَلاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي إِبْطَال الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ. وَقَدْ قِيل: يَتَعَذَّرُ طَبْعُ الْفِضَّةِ إِذَا لَمْ يُخَالِطْهَا خَلْطٌ مِنْ جَوْهَرٍ آخَرَ. . قُلْتُ: وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْبِلاَدِ فِي هَذَا الزَّمَانِ (زَمَانِ السُّبْكِيِّ) ضُرِبَتِ الْفِضَّةُ خَالِصَةً فَتَشَقَّقَتْ، فَجُعِل فِيهَا فِي كُل أَلْفِ دِرْهَمٍ مِثْقَالاً مِنْ ذَهَبٍ فَانْصَلَحَتْ، لَكِنَّ مِثْل هَذَا إِذَا بِيعَ لاَ يَظْهَرُ فِي الْمِيزَانِ مَا مَعَهُ مِنَ الْغِشِّ (1) .
وَكُل مَا ذُكِرَ فِي الْفِضَّةِ يَأْتِي فِي الذَّهَبِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (2) .
44 - وَفَصَّل الْحَنَابِلَةُ فِي بَيْعِ الأَْثْمَانِ الْمَغْشُوشَةِ بِمِثْلِهَا بَيْنَ مَا يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِ مُتَسَاوِيًا وَمَعْلُومَ الْمِقْدَارِ وَمَا يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِ غَيْرَ مُتَسَاوٍ أَوْ غَيْرَ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ فَقَالُوا بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِمِثْلِهِ فِي الأَْوَّل وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الثَّانِي.
قَال الْبُهُوتِيُّ: الأَْثْمَانُ الْمَغْشُوشَةُ إِذَا بِيعَتْ
__________
(1) تكملة المجموع للسبكي 10 / 409، 410، 411.
(2) نفس المرجع.
بِغَيْرِهَا، أَيْ: بِأَثْمَانٍ خَالِصَةٍ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ، لِلْعِلْمِ بِالتَّفَاضُل، وَإِنْ بَاعَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا مَغْشُوشًا بِمِثْلِهِ، وَالْغِشُّ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ مُتَفَاوِتٌ، أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْجَهْل بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُل.
وَإِنْ عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الذَّهَبِ الَّذِي فِي الدِّينَارِ، وَعُلِمَ تَسَاوِي الْغِشِّ الَّذِي فِيهِمَا جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ، لِتَمَاثُلِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذَّهَبُ، وَفِي غَيْرِهِ، أَيِ: الْغِشِّ وَلَيْسَتْ مِنْ مَسْأَلَةِ (مُدِّ عَجْوَةٍ) ، لِكَوْنِ الْغِشِّ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَكَأَنَّهُ لاَ قِيمَةَ لَهُ كَالْمِلْحِ فِي الْخُبْزِ (1) .
وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي أَعْيَانِهَا، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ غِشًّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ مِثْل: أَنْ يَجِدَ الدَّرَاهِمَ رَصَاصًا، أَوْ نُحَاسًا، أَوْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ.
وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ مِثْل: كَوْنِ الْفِضَّةِ سَوْدَاءَ، أَوْ خَشِنَةً، أَوْ سِكَّتِهَا غَيْرَ سِكَّةِ السُّلْطَانِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الإِْمْسَاكِ وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ (2) .
__________
(1) كشاف القناع 3 / 261، 262.
(2) المغني لابن قدامة 4 / 48 - 51.
الصفحة 369
414