كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 26)
14 - وَتَقُومُ دَلاَلَةُ الْفِعْل مَقَامَ دَلاَلَةِ اللَّفْظِ (1) . فَلَوْ أَنَّ شَخْصًا مَا أَخْرَجَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ، وَقَال لآِخَرَ: أَخْرِجْ مِثْل هَذَا وَاشْتَرِ، وَمَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى التَّسَاوِي أَوْ لَكَ فِيهِ الثُّلُثَانِ وَلِيَ الثُّلُثُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمِ الآْخَرُ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ وَأَعْطَى وَفَعَل كَمَا أَشَارَ صَاحِبُهُ - فَهَذِهِ شَرِكَةُ عَنَانٍ صَحِيحَةٌ. وَمِثْل ذَلِكَ يَجِيءُ أَيْضًا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: كَأَنْ يُخْرِجَ هَذَا كُل مَا يَمْلِكُ مِنَ النُّقُودِ، وَيَقُول لِصَاحِبِهِ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ مِنَ النُّقُودِ إِلاَّ مِثْل هَذَا الْقَدْرِ: أَخْرِجْ مِثْل هَذَا، عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ بِمَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا عَلَى سَوَاءٍ، وَكُل وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ عَنِ الآْخَرِ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ، فَلاَ يَتَكَلَّمُ صَاحِبُهُ هَذَا، وَإِنَّمَا يَفْعَل مِثْل مَا أَشَارَ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
15 - وَالاِكْتِفَاءُ بِدَلاَلَةِ الْفِعْل، هُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. إِذْ هُمْ لاَ يَعْتَبِرُونَ فِي الصِّيغَةِ هُنَا إِلاَّ مَا يَدُل عَلَى الإِْذْنِ عُرْفًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيل الأَْلْفَاظِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا - كَالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ.
__________
(1) فتح القدير 5 / 7، رد المحتار 3 / 348، الخرشي على خليل 4 / 255، الفواكه الدواني 2 / 172، مطالب أولي النهى 3 / 501، وهذا من آثار عدم التقيد بالألفاظ، والتعديل على المعنى، كما سلف (ر: ف / 22) .
وَلِذَا يَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَال أَحَدُ اثْنَيْنِ لِلآْخَرِ: شَارِكْنِي، فَرَضِيَ بِالسُّكُوتِ، كَفَى، وَأَنَّهُ يَكْفِي خَلْطُ الْمَالَيْنِ، أَوِ الشُّرُوعُ فِي أَعْمَال التِّجَارَةِ لِلشَّرِكَةِ. كَمَا يَنُصُّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَتَكَلَّمَا فِي الشَّرِكَةِ، ثُمَّ يُحْضِرَا الْمَال عَنْ قُرْبٍ، وَيَشْرَعَا فِي الْعَمَل.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تُغْنِي دَلاَلَةُ الْفِعْل عَنِ اللَّفْظِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، لأَِنَّ الأَْصْل حِفْظُ الأَْمْوَال عَلَى أَرْبَابِهَا، فَلاَ يَنْتَقِل عَنْهُ إِلاَّ بِدَلاَلَةٍ لَهَا فَضْل قُوَّةٍ - حَتَّى لَقَدْ ضَعَّفَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهًا عِنْدَهُمْ بِانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بِلَفْظِ: اشْتَرَكْنَا - لِدَلاَلَتِهِ عُرْفًا عَلَى الإِْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، وَرَأَوْا أَنْ لاَ كِفَايَةَ فِيهِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِالإِْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ - لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْ شَرِكَةٍ مَاضِيَةٍ، أَوْ عَنْ شَرِكَةِ مِلْكٍ قَائِمَةٍ لاَ تَصَرُّفَ فِيهَا. وَهُمْ يُصَحِّحُونَ انْعِقَادَهَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، إِذَا اقْتَرَنَ بِنِيَّةِ الْعَنَانِ، وَإِلاَّ فَلَغْوٌ، إِذْ لاَ مُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمْ: وَغَايَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لَفْظُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةَ عَنَانٍ - بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ (1) .
وَمِثَال شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي التَّقَبُّل: أَنْ يَقُول شَخْصٌ لآِخَرَ وَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْل الْكَفَالَةِ - شَارَكْتُكَ فِي تَقَبُّل جَمِيعِ الأَْعْمَال، أَوْ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 212، 213.
الصفحة 42