كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ - أَيْضًا - الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ فَارَقْتُكِ بِالْجِسْمِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ مِنَ الْيَدِ، أَوْ إِلَى السُّوقِ لَمْ تَطْلُقْ؛ فَإِنَّ أَوَّل اللَّفْظِ مُرْتَبِطٌ بِآخِرِهِ، وَهُوَ يُضَاهِي الاِسْتِثْنَاءَ كَمَا قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
وَمِمَّا يُعَارِضُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ - كَمَا ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ - قَوْلُهُمْ: إِنَّ السُّؤَال لاَ يُلْحِقُ الْكِنَايَةَ بِالصَّرِيحِ، إِلاَّ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ - وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ: طَلِّقْنِي، فَقَال: طَلُقَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ قَال: نَوَيْتُ فَاطِمَةَ أُخْرَى طَلُقَتْ، وَلاَ يُقْبَل لِدَلاَلَةِ الْحَال، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَال ابْتِدَاءً: طَلُقَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ قَال: نَوَيْتُ أُخْرَى (1) .
7 - الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: الصَّرِيحُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، وَالْكِنَايَةُ لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ: -
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ، وَالسُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: الصَّرِيحُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ: أَيْ نِيَّةِ الإِْيقَاعِ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لَهُ فَاسْتَغْنَى عَنِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا قَصْدُ اللَّفْظِ فَيُشْتَرَطُ لِتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ سَبْقِ اللِّسَانِ.
وَمِنْ هَاهُنَا: يَفْتَرِقُ الصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ،
__________
(1) المنثور للزركشي 2 / 308 - 309 ط. الأولى.
فَالصَّرِيحُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَصْدُ اللَّفْظِ، وَالْكِنَايَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَمْرَانِ: قَصْدُ اللَّفْظِ، وَنِيَّةُ الإِْيقَاعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَال: أَنْ يَقْصِدَ حُرُوفَ الطَّلاَقِ لِلْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، لِيُخْرِجَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمُ الصَّرِيحُ: لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ كَمَا ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ: قَصْدُ الْمُكْرَهِ إِيقَاعَ الطَّلاَقِ، فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَقَعُ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ سَاقِطٌ بِالإِْكْرَاهِ، وَالنِّيَّةُ لاَ تَعْمَل وَحْدَهَا. وَالأَْصَحُّ: يَقَعُ لِقَصْدِهِ بِلَفْظِهِ.
وَعَلَى هَذَا فَصَرِيحُ لَفْظِ الطَّلاَقِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ كِنَايَةٌ إِنْ نَوَى وَقَعَ، وَإِلاَّ فَلاَ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: الْكِنَايَةُ تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ مَا إِذَا قِيل لَهُ: طَلَّقْتَ؟ فَقَال: نَعَمْ. فَقِيل: يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلاَقًا. وَقِيل: يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ (1) .
8 - الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: الصَّرَائِحُ تَعْمَل بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ بِلاَ خِلاَفٍ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ: مَا إِذَا قِيل لِلْكَافِرِ: قُل: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَهَا حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ قَالَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يُحْكَمُ
__________
(1) المنثور للزركشي 2 / 310. الأولى، الأشباه والنظائر للسيوطي / 293 - 294 ط. الأولى.
الصفحة 10
406