كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)

لِمُشْرِكٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ عَامِرَةً أَمْ دَارِسَةً مَنْبُوشَةً، وَبِالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْحَال أَنَّهُ لَمْ يُصَل عَلَى الزِّبْل أَوِ الدَّمِ، بَل فِي مَحَلٍّ لاَ زِبْل فِيهِ، أَوْ لاَ دَمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْرِشَ شَيْئًا طَاهِرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ. وَبِالْمَحَجَّةِ (وَسَطِ الطَّرِيقِ) وَبِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ (جَانِبِهِ) . وَقَيَّدُوا جَوَازَ الصَّلاَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَحَجَّةِ بِأَمْنِ النَّجَاسَةِ.
أَمَّا مَرْبِضُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَدَائِمًا مَأْمُونُ النَّجَاسَةِ؛ لأَِنَّ بَوْلَهَا وَرَجِيعَهَا طَاهِرَانِ. ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى أُمِنَتْ هَذِهِ الأَْمَاكِنُ مِنَ النَّجَسِ - بِأَنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ طَهَارَتَهَا - كَانَتِ الصَّلاَةُ جَائِزَةً وَلاَ إِعَادَةَ أَصْلاً وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ فَلاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِيهَا، وَإِذَا صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَطَهَارَتِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ، بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ الأَْصْل عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ. وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا إِنْ كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً تَرْجِيحًا لِلْغَالِبِ عَلَى الأَْصْل. وَهَذَا فِي غَيْرِ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ إِذَا صَلَّى فِيهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ. وَلاَ إِعَادَةَ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي كُل ذَلِكَ فَقَالُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ مُطْلَقًا؛ لِحَدِيثِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: لاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ،
فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ (1) . وَالْمَقْبَرَةُ ثَلاَثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا، فَلاَ يُعْتَبَرُ قَبْرٌ وَلاَ قَبْرَانِ مَقْبَرَةٌ.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ فِي الْحَمَّامِ، دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ وَأَتُونِهِ (مُوقِدِ النَّارِ) وَكُل مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ الْبَابُ وَيَدْخُل فِي الْبِيَعِ، لِشُمُول الاِسْمِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: الأَْرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ (2) . وَمِثْلُهُ الْحُشُّ - وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ - وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ عِنْدَهُمْ فِي أَعْطَانِ الإِْبِل - وَهِيَ مَا تُقِيمُ فِيهِ وَتَأْوِي إِلَيْهِ -؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِْبِل وَلاَ تَدْخُل فِي النَّهْيِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُنَاخُ فِيهَا الإِْبِل لِعَلَفِهَا، أَوْ وُرُودِهَا الْمَاءَ، وَمَوَاضِعِ نُزُولِهَا فِي سَيْرِهَا، لِعَدَمِ تَنَاوُل اسْمِ الأَْعْطَانِ لَهَا.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ - أَيْضًا - فِي الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ سَالِكٌ أَوْ لاَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ.
__________
(1) حديث: " لا تتخذوا القبور مساجد ". أخرجه مسلم (1 / 378 - ط. الحلبي) من حديث جندب بن جنادة.
(2) حديث أبي سعيد: " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة ". أخرجه أبو داود (1 / 330 - العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

الصفحة 115