كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
بِطِيبٍ، أَوْ يَضَعُ ذَا رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ عِنْدَ أَنْفِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِيَسْتَنْشِقَهُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْل الصَّلاَةِ، أَمَّا لَوْ دَخَلَتِ الرَّائِحَةُ أَنْفَهُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ كَرَاهَةَ. قَال الطَّحْطَاوِيُّ: أَمَّا إِذَا أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَشَمَّهُ فَالظَّاهِرُ الْفَسَادُ؛ لأَِنَّ مَنْ رَآهُ يَجْزِمُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ، وَأَفَادَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُنْيَةِ: أَنَّهَا لاَ تَفْسُدُ بِذَلِكَ أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعَمَل كَثِيرًا (1) .
مُبْطِلاَتُ الصَّلاَةِ:
أ - الْكَلاَمُ:
107 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ تَبْطُل بِالْكَلاَمِ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُل صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ (2) وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْل أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا
__________
(1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 194، 195، وحاشية الدسوقي 1 / 255، مغني المحتاج 1 / 201، 202، كشاف القناع 1 / 370، وما بعدها 381.
(2) حديث زيد بن أرقم: " كنا نتكلم في الصلاة ". أخرجه مسلم (1 / 383 - ط. الحلبي) .
يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنُ تَعْلِيمًا مِنْهُ. فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي، قَال: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (1) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ الْكَلاَمَ الْمُبْطِل لِلصَّلاَةِ مَا انْتَظَمَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا؛ لأَِنَّ الْحَرْفَيْنِ يَكُونَانِ كَلِمَةً كَأَبٍ وَأَخٍ، وَكَذَلِكَ الأَْفْعَال وَالْحُرُوفُ، وَلاَ تَنْتَظِمُ كَلِمَةٌ فِي أَقَل مِنْ حَرْفَيْنِ، قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: الْحَرْفَانِ مِنْ جِنْسِ الْكَلاَمِ؛ لأَِنَّ أَقَل مَا يُبْنَى عَلَيْهِ الْكَلاَمُ حَرْفَانِ لِلاِبْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ نَحْوَ " قِ " مِنَ الْوِقَايَةِ، وَ " عِ " مِنَ الْوَعْيِ وَ " فِ " مِنَ الْوَفَاءِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ مَدَّةً بَعْدَ حَرْفٍ وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْ نَحْوَ " آ " لأَِنَّ الْمَمْدُودَ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ وَهَذَا عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ. وَمُقَابِل الأَْصَحِّ أَنَّهَا لاَ تَبْطُل؛ لأَِنَّ الْمُدَّةَ قَدْ تَتَّفِقُ لإِِشْبَاعِ الْحَرَكَةِ وَلاَ تُعَدُّ حَرْفًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكَلاَمَ الْمُبْطِل لِلصَّلاَةِ هُوَ حَرْفٌ أَوْ صَوْتٌ سَاذِجٌ، سَوَاءٌ
__________
(1) حديث معاوية بن الحكم: " بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 381 - 382 ط. الحلبي) .
الصفحة 117