كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِكَلاَمِ السَّاهِي وَالْمُكْرَهِ، وَبِالْكَلاَمِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلاَةِ، وَالْكَلاَمِ لِتَحْذِيرٍ نَحْوَ ضَرِيرٍ.
وَلاَ تَبْطُل عِنْدَهُمْ بِكَلاَمِ النَّائِمِ إِذَا كَانَ النَّوْمُ يَسِيرًا، فَإِذَا نَامَ الْمُصَلِّي قَائِمًا أَوْ جَالِسًا، فَتَكَلَّمَ فَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ، وَكَذَا إِذَا سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَى لِسَانِهِ حَال الْقِرَاءَةِ فَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ، لأَِنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ فَأَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (1) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ تَكَلَّمَ ظَانًّا أَنَّ صَلاَتَهُ تَمَّتْ، فَإِنْ كَانَ سَلاَمًا لَمْ تَبْطُل الصَّلاَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، أَمَّا إِنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِمَّا تَكْمُل بِهِ الصَّلاَةُ أَوْ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِ الصَّلاَةِ مِثْل كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ (2) .

ب - الْخِطَابُ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ:
108 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ صَلاَةِ مَنْ خَاطَبَ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي، كَقَوْلِهِ لِمَنِ اسْمُهُ يَحْيَى أَوْ مُوسَى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} أَوْ {مَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ، أَوْ لِمَنْ بِالْبَابِ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} . فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 413، حاشية الدسوقي 1 / 289، مغني المحتاج 1 / 195، 196، مطالب أولي النهى 1 / 520، 538.
(2) المغني 2 / 46، 47.
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - إِلَى بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِكُل مَا قُصِدَ بِهِ الْخِطَابُ مِنَ الْقُرْآنِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُخَاطَبُ مُسَمًّى بِهَذَا الاِسْمِ إِذَا قَصَدَ خِطَابَهُ. وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ بُطْلاَنَ الصَّلاَةِ بِالْخِطَابِ بِالْقُرْآنِ بِمَا إِنْ قَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ. وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَاسْتُؤْذِنَ عَلَيْهِ فَقَطَعَهَا إِلَى آيَةِ {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمَنِينَ} ، أَمَّا إِنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ بِهِ بِمَحَلِّهِ فَلاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ كَأَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ شَخْصٌ وَهُوَ يَقْرَأُ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمَنِينَ} لِقَصْدِ الإِْذْنِ فِي الدُّخُول، أَوْ يَبْتَدِئُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ بُطْلاَنَ الصَّلاَةِ بِالْخِطَابِ بِالْقُرْآنِ بِمَا إِذَا قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا؛ لأَِنَّهُ فِيهِمَا يُشْبِهُ كَلاَمَ الآْدَمِيِّينَ فَلاَ يَكُونُ قُرْآنًا إِلاَّ بِالْقَصْدِ، وَأَمَّا إِنْ قَصَدَ مَعَ التَّفْهِيمِ الْقِرَاءَةَ لَمْ تَبْطُل الصَّلاَةُ؛ لأَِنَّهُ قُرْآنٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ؛ وَلأَِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي فَدَخَل رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَال: لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَتَلاَ عَلِيٌّ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} .
قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَهَذَا التَّفْصِيل يَجْرِي فِي الْفَتْحِ عَلَى الإِْمَامِ بِالْقُرْآنِ، وَالْجَهْرِ

الصفحة 119