كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
الصَّلاَةُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إِلاَّ أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْخِطَابُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذِّكْرُ لاَ خِطَابَ فِيهِ فَلاَ تَبْطُل بِهِ الصَّلاَةُ، كَمَا لَوْ عَطَسَ فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ. أَوْ سَمِعَ مَا يَغُمُّهُ فَقَال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَوْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ قِيل لَهُ: وُلِدَ لَكَ غُلاَمٌ فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِلاِخْتِلاَفِ فِي إِبْطَالِهِ الصَّلاَةَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ، وَالاِسْتِرْجَاعِ مِنْ مُصِيبَةٍ أُخْبِرَ بِهَا وَنَحْوِهِ إِلاَّ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَرْكُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيل وَالْحَوْقَلَةِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مِنَ الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّ الصَّلاَةَ كُلَّهَا مَحَلٌّ لِذَلِكَ (1) .
ج - التَّأَوُّهُ وَالأَْنِينُ وَالتَّأْفِيفُ وَالْبُكَاءُ وَالنَّفْخُ وَالتَّنَحْنُحُ:
109 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْنِينَ (وَهُوَ قَوْل: أُهْ بِالْقَصْرِ) وَالتَّأَوُّهَ (وَهُوَ قَوْل: آهٍ بِالْمَدِّ) وَالْبُكَاءَ وَنَحْوَهُ إِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتِ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 416، فتح القدير 1 / 347، حاشية الدسوقي 1 / 283، 285، مغني المحتاج 1 / 196، كشاف القناع 1 / 196، مطالب أولي النهى 1 / 537.
الصَّلاَةُ. وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ بِالأَْنِينِ وَالتَّأَوُّهِ وَالتَّأْفِيفِ وَالْبُكَاءِ، وَإِنْ حَصَل حُرُوفٌ لِلضَّرُورَةِ.
قَال أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ الأَْنِينُ مِنْ وَجَعٍ، مِمَّا يُمْكِنُ الاِمْتِنَاعُ عَنْهُ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ لاَ يَقْطَعُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إِنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ، وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الْقُعُودُ إِلاَّ بِالأَْنِينِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إِذَا لَمْ يَتَكَلَّفْ إِخْرَاجَ حُرُوفٍ زَائِدَةٍ، كَمَا اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْبُكَاءَ مِنْ خَوْفِ الآْخِرَةِ وَذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَإِنَّهُ لاَ تَفْسُدُ بِهِ الصَّلاَةُ، لِدَلاَلَتِهِ عَلَى الْخُشُوعِ. فَلَوْ أَعْجَبَتْهُ قِرَاءَةُ الإِْمَامِ فَجَعَل يَبْكِي وَيَقُول: بَلَى أَوْ نَعَمْ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْكَافِي: لأَِنَّ الأَْنِينَ وَنَحْوَهُ إِذَا كَانَ بِذِكْرِهِمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ صَارَ كَأَنَّهُ يَقُول: أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ تَفْسُدُ.
وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبُكَاءُ مِنْ خَوْفِ الآْخِرَةِ أَمْ لاَ فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الأَْنِينِ لأَِجْل وَجَعٍ غَلَبَهُ، وَالْبُكَاءِ لأَِجْل الْخُشُوعِ، سَوَاءٌ كَانَ
الصفحة 121