كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
وَسَهْوِهِ، فَإِنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ الْمُصَلِّي عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إِنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ، وَانْجَبَرَ بِسُجُودِ السَّهْوِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِالأَْكْل وَلَوْ كَانَ قَلِيلاً، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ؛ لِشِدَّةِ مُنَافَاتِهِ لِلصَّلاَةِ مَعَ نُدْرَتِهِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ: النَّاسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلاَةِ، وَالْجَاهِل بِالتَّحْرِيمِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإِْسْلاَمِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ بِالأَْكْل إِلاَّ إِذَا كَثُرَ عُرْفًا، وَلاَ تَبْطُل مَا لَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَاقِي طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ.
وَصَرَّحُوا: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَذَابَتْ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا عَمْدًا، مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُل. كَمَا صَرَّحُوا بِبُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِالْمَضْغِ إِنْ كَثُرَ، وَإِنْ لَمْ يَصِل إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ.
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلاَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَل، فَصَلاَةُ الْفَرْضِ تَبْطُل بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ عَمْدًا، قَل الأَْكْل أَوِ الشُّرْبُ أَوْ كَثُرَ، لأَِنَّهُ يُنَافِي الصَّلاَةَ. وَأَمَّا صَلاَةُ النَّفْل فَلاَ تَبْطُل بِالأَْكْل وَالشَّرَابِ إِلاَّ إِذَا كَثُرَ عُرْفًا لِقَطْعِ الْمُوَالاَةِ بَيْنَ الأَْرْكَانِ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَهَذَا رِوَايَةٌ، وَعَنْهُ أَنَّ
النَّفَل كَالْفَرْضِ، قَال فِي الْمُبْدِعِ وَبِهِ قَال أَكْثَرُهُمْ؛ لأَِنَّ مَا أَبْطَل الْفَرْضَ أَبْطَل النَّفَل، كَسَائِرِ الْمُبْطِلاَتِ.
وَكُل مَا سَبَقَ فِيمَا إِذَا كَانَ الأَْكْل وَالشُّرْبُ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً فَإِنَّهُ لاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلاً إِذَا كَانَ يَسِيرًا؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَلأَِنَّ تَرْكَهُمَا عِمَادُ الصَّوْمِ، وَرُكْنُهُ الأَْصْلِيُّ، فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي حَالَةِ السَّهْوِ فِي الصِّيَامِ فَالصَّلاَةُ أَوْلَى.
قَالُوا: وَلاَ بَأْسَ بِبَلْعِ مَا بَقِيَ فِي فِيهِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ، أَوْ بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بِلاَ مَضْغٍ مِمَّا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ وَهُوَ الْيَسِيرُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يُسَمَّى أَكْلاً، وَأَمَّا مَا لاَ يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ بَل يَجْرِي بِنَفْسِهِ - وَهُوَ مَا لَهُ جِرْمٌ - فَإِنَّ الصَّلاَةَ تَبْطُل بِبَلْعِهِ لِعَدَمِ مَشَقَّةِ الاِحْتِرَازِ.
قَال الْمَجْدُ: إِذَا اقْتَلَعَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مَا لَهُ جِرْمٌ وَابْتَلَعَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عِنْدَنَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ بَلْعَ مَا ذَابَ بِفِيهِ مِنْ سُكَّرٍ وَنَحْوِهِ كَالأَْكْل (1) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 418، حاشية الدسوقي 1 / 289، مواهب الجليل 2 / 36، الخرشي على خليل 1 / 330، نهاية المحتاج 2 / 52، ومغني المحتاج 1 / 200، شرح روض الطالب 1 / 185، كشاف القناع 1 / 398.
الصفحة 125