كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
يُصَلِّيَ بِالثَّوْبِ النَّجَسِ أَوْ عَارِيًا مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ، وَالصَّلاَةُ بِالثَّوْبِ النَّجَسِ حِينَئِذٍ أَفْضَل؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلاَةِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ. فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ. وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لاَ تُجْزِئُهُ الصَّلاَةُ إِلاَّ فِي الثَّوْبِ النَّجَسِ؛ لأَِنَّ الصَّلاَةَ فِيهِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَوَازِ مِنَ الصَّلاَةِ عُرْيَانًا، فَإِنَّ الْقَلِيل مِنَ النَّجَاسَةِ لاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ فِي قَوْل بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قَال عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ سَبْعُونَ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ جَازَتْ صَلاَتُهُ. وَلَمْ يَقُل أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلاَةِ عُرْيَانًا فِي حَال الاِخْتِيَارِ. قَال فِي الأَْسْرَارِ: وَقَوْل مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْضَل.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ ثَوْبٍ طَاهِرٍ يُصَلِّي فِي ثَوْبِهِ النَّجَسِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُعِيدُ الصَّلاَةَ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ مَا يُطَهِّرُ بِهِ أَبَدًا. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ (1) .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَاجِزِ عَنْ مَكَان طَاهِرٍ، كَأَنْ يُحْبَسَ فِي مَكَان نَجَسٍ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 377، فتح القدير 1 / 229، حاشية الدسوقي 1 / 217، المجموع 3 / 142، الإنصاف 1 / 460.
وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ وَلاَ يَتْرُكَ الصَّلاَةَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) . قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيَجِبُ أَنْ يَتَجَافَى عَنِ النَّجَاسَةِ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَغَيْرِهِمَا الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ، وَيَجِبُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لاَقَى النَّجَاسَةَ. زَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: بِوُجُوبِ الإِْعَادَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا سَجَدَ عَلَيْهِ وَإِلاَّ فَيُومِئُ قَائِمًا (2) .
ثَالِثًا: تَخَلُّفُ شَرْطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ:
120 - سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ إِلاَّ بِسَتْرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلاَنِ صَلاَةِ مَنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِيهَا قَصْدًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوِ انْكَشَفَتْ بِلاَ قَصْدٍ مَتَى تَبْطُل صَلاَتُهُ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّلاَةَ تَبْطُل لَوِ
__________
(1) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط. السلفية) ، ومسلم (2 / 975 ط. الحلبي) .
(2) حاشية ابن عابدين 1 / 168، جواهر الإكليل 1 / 11، المجموع 3 / 154، الإنصاف 1 / 460، 462.
الصفحة 128