كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
38 - وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ فَلاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بَل يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} (1) .
إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَال: يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِ غَيْرِ الرَّشِيدِ إِلَى بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْشُدْ؛ لأَِنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ السِّنِّ إِهْدَارًا لِكَرَامَتِهِ الإِْنْسَانِيَّةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (2) وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجْرٌ، وَرُشْدٌ) .
ب - الإِْذْنُ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ:
39 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اخْتِبَارِ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ؛ لِمَعْرِفَةِ رُشْدِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ، وَاخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ التُّجَّارِ اخْتُبِرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الزُّرَّاعِ اخْتُبِرَ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ أَصْحَابِ الْحِرَفِ اخْتُبِرَ بِالْحِرْفَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخْتَبَرُ فِي شُؤُونِ الْبَيْتِ مِنْ غَزْلٍ وَطَهْيِ
__________
(1) سورة النساء آية 5.
(2) سورة الأنعام آية 152.
طَعَامٍ وَصِيَانَتِهِ وَشِرَاءِ لَوَازِمِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ وَفِي أَثَرِ الإِْذْنِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ - يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَال الإِْذْنُ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إِذَا أَنِسَ مِنْهُ الْخِبْرَةَ لِتَدْرِيبِهِ عَلَى طُرُقِ الْمَكَاسِبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ لِتَعْلَمُوا رُشْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الاِخْتِبَارُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إِلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ وَلأَِنَّ الْمُمَيِّزَ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَيَرْتَفِعُ حَجْرُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِهَذَا الإِْذْنِ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِلاَ إِذْنٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالإِْذْنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، مِثْل: أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ دَلاَلَةً كَمَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ؛ لأَِنَّ سُكُوتَهُ دَلِيل الرِّضَا، وَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ سُكُوتُهُ لأََدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ بِمَنْ يُعَامِلُونَهُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ -: لاَ يَثْبُتُ الإِْذْنُ بِالدَّلاَلَةِ؛ لأَِنَّ سُكُوتَهُ مُحْتَمِلٌ لِلرِّضَا وَلِعَدَمِ الرِّضَا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ الإِْذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إِلَيْهِ الْمَال وَيُمْتَحَنُ فِي
الصفحة 30