كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)

عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا، وَجَحَدَ الرَّجُل، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لاَ حَقُّهَا، فَلاَ تَمْلِكُ الاِعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا؛ وَلأَِنَّ الصُّلْحَ إِمَّا إِسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لاَ يَحْتَمِلُهُمَا.
وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنَ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ، عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَل، إِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَهُوَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْمَحَل، بَل هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوِلاَيَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلاَ يَحْتَمِل الصُّلْحَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ - خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ - فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الصُّلْحُ عَنِ الشُّفْعَةِ. (ر: شُفْعَة - إِسْقَاط.) وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيل بِالنَّفْسِ الْمَكْفُول لَهُ عَلَى مَالٍ، عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قِبَل الْكَفِيل بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُول بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلاَيَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا كَالشُّفْعَةِ. (1)
أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي، فَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 49، تحفة الفقهاء 3 / 427.
فَصَالَحَ عَنِ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لاَ يَسْتَحْلِفَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَبَرِئَ مِنَ الْيَمِينِ، بِحَيْثُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى اسْتِحْلاَفِهِ. وَكَذَا لَوْ قَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي وَجَبَتْ لَكَ عَلَيَّ. أَوْ قَال: افْتَدَيْتُ مِنْكَ يَمِينَكَ بِكَذَا وَكَذَا صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُدَّعِي؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي قِبَل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَل - وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ - فَكَانَ الصُّلْحُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْمَحَل، وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَذْل الْمَال لإِِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ وَالاِفْتِدَاءِ عَنِ الْيَمِينِ. (1) قَالَهُ الْكَاسَانِيُّ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحًا فَحَجَّتْهُ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي حَسَبَ زَعْمِهِ، فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ. (2)

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ:
31 - أَيْ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ
__________
(1) البدائع 6 / 50.
(2) كشاف القناع 3 / 381، شرح منتهى الإرادات 2 / 261، المغني 4 / 449، بدائع الصنائع 6 / 50، المبدع 4 / 281.

الصفحة 350