كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، مِثْل أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَةً عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ صُلْحٌ يُحِل حَرَامًا؛ وَلأَِنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ بَذْل نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ. (1)
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
32 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِهِ أَوْ فِي مَدَاهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدِهَا لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُول. (2)
قَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي " الأُْمِّ " (3) :
أَصْل الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ فِي الصُّلْحِ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ. . . وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، كَمَا لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَل حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً. (4) وَمِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي عَلَى الْمَجْهُول الَّذِي لَوْ كَانَ بَيْعًا كَانَ حَرَامًا.
__________
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 261، والمغني 4 / 550، المبدع 4 / 281.
(2) روضة الطالبين 4 / 203.
(3) الأم (بعناية محمد زهرى النجار) 3 / 221.
(4) حديث: " الصلح جائز. . ". سبق تخريجه (ف5) .
هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمُجْمَل عِنْدَهُمْ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلاً فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى عِوَضٍ، صَحَّ الصُّلْحُ.
قَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لَهُمَا فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ بِكَذَا فَقَال: اشْتَرَيْتُ صَحَّ. (1)
وَالثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّ، فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ يُعْطِيهِ الْمُدَّعِي لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لاَ يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ ذَلِكَ لاَ يَدْرِي مَاذَا يُسَلِّمُ إِلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ. (2)
أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَحْتَاجُ التَّسْلِيمَ - كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلاً - فَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا؛ لأَِنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ،
__________
(1) أسنى المطالب 2 / 218، وروضة الطالبين 4 / 203.
(2) فتاوى قاضيخان (بهامش الفتاوى الهندية) 3 / 104.
الصفحة 352