كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ هَاهُنَا سَاقِطٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الإِْبْرَاءِ عَنِ الْمَجْهُول، وَهُوَ جَائِزٌ. (1) قَال الإِْسْبِيجَابِيُّ: لأَِنَّ الْجَهَالَةَ لاَ تُبْطِل الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تُبْطِل الْعُقُودَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ وُقُوعُ الْمُنَازَعَةِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلاَ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَال فِيهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَال عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ. (2)
وَالثَّالِثِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. (3) وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَذَّرُ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ.
(4)
__________
(1) رد المحتار 4 / 473، قرة عيون الأخيار 2 / 155، بدائع الصنائع 6 / 49، الفتاوى الخانية 3 / 88، 104، وانظر م (1028) من مرشد الحيران وم (1547) من مجلة الأحكام العدلية، وشرح المجلة للأتاسي 4 / 547، درر الحكام لعلي حيدر 4 / 24، وما بعدها.
(2) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 5 / 32.
(3) أي: لا سبيل إلى معرفته، ومثل ذلك في الأعيان: كقفيز حنطة وقفيز شعير اختلطا وطحنا فلا يمكن التمييز بينهما. ومثله في الديون، كمن بينهما معاملة أو حساب مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه (شرح منتهى الإرادات 2 / 263، كشاف القناع 3 / 384) .
(4) مواهب الجليل 5 / 80، حاشية البناني على الزرقاني على خليل 6 / 3، المغني 4 / 543، كشاف القناع 3 / 384، شرح منتهى الإرادات 2 / 263، وقد اختار ابن قدامة في هذه الحالة صحة الصلح إذا كان مما لا يحتاج إلى تسليمه. أما إذا كان مما يحتاج إلى تسليمه، فلا يجوز مع الجهالة، لأن تسليمه واجب، والجهالة تمنع التسليم، وتفضي إلى التنازع، فلا يحصل مقصود الصلح. (المغني 4 / 544) .
قَال الْحَنَابِلَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ جَهِلاَهُ أَوْ جَهِلَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ حَالًّا أَوْ نَسِيئَةً، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ.
أ - بِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: جَاءَ رَجُلاَنِ مِنَ الأَْنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَل بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ أَوْ قَدْ قَال: لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَبَكَى الرَّجُلاَنِ، وَقَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لأَِخِي. فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِل كُل وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ (1) .
__________
(1) نيل الأوطار 5 / 253 - الإسطام بالكسر المسعار: وهو حديدة مفطوحة تقلب بها النار - القاموس (سطم) النهاية في غريب الحديث والأثر مادة (سطم) ، والحديث لأم سلمة: " جاء رجلان من الأنصار يختصمان. . ". أخرجه أحمد (6 / 320 - ط. الميمنية) وإسناده صحيح.
الصفحة 353