كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 27)
الشَّيْءِ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا أَمْكَنَ ضِدُّهُ، وَعَدَمُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ كُل رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا أَوَّلاً فَهِيَ الأُْولَى، وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَكَذَا. فَإِنَّهُ يُمْكِنُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ مِنَ الأُْمُورِ الاِعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي يُبْتَنَى عَلَيْهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ إِذَا وُجِدَ مَعَهَا مَا يَقْتَضِيهَا، فَإِذَا صَلَّى مِنَ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ رَكْعَتَيْنِ، وَقَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا الأَْخِيرَتَيْنِ فَهُوَ لَغْوٌ، إِلاَّ إِذَا حَقَّقَ قَصْدَهُ بِأَنْ تَرَكَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، وَقَرَأَ فِيمَا بَعْدَهُمَا فَحِينَئِذٍ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ وُجُوبُ الإِْعَادَةِ وَالإِْثْمِ؛ لِوُجُودِ مَا يَقْتَضِي تِلْكَ الأَْحْكَامَ وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ صَلاَةَ الْمَسْبُوقِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مِنْ حَيْثُ الأَْقْوَال، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ عَكْسَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَل مَا يُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةٍ وَجَهْرٍ.
كَذَلِكَ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالتَّرْتِيبِ بِأَنْ يَفْعَل مَا يَقْتَضِيَهُ بِأَنْ يَقْرَأَ أَوَّلاً وَيَجْهَرَ أَوْ يُسِرَّ، وَإِذَا خَالَفَ يَكُونُ قَدْ عَكَسَ التَّرْتِيبَ حُكْمًا.
تَعْدِيل الأَْرْكَانِ:
43 - وَهُوَ: تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، وَأَدْنَاهُ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيل رُكْنٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لأَِنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيل الأَْرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ
لِذَاتِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ فَرْضٌ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ: صَل فَإِنَّكَ لَمْ تُصَل (1) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: إِنَّهَا لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَل: فَيَغْسِل وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَل وَيَحْمَدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ، ثُمَّ يَقُول: اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُول: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يَقُول: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَال:
ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ - أَوْ جَبْهَتَهُ - مِنَ الأَْرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدِهِ، وَيُقِيمَ صُلْبَهُ فَوَصْفُ الصَّلاَةِ هَكَذَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ حَتَّى تَفْرُغَ لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَل ذَلِكَ (2) .
وَاسْتَدَل عَلَى الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (3) } حَيْثُ أَمَرَ بِالرُّكُوعِ، وَهُوَ: الاِنْحِنَاءُ لُغَةً، وَبِالسُّجُودِ، وَهُوَ:
__________
(1) حديث: " صل فإنك لا تصل ". تقدم ف 20.
(2) حديث رفاعة بن رافع: " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الصلاة ". أخرجه أبو داود (1 / 537 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(3) سورة الحج / 77.
الصفحة 78