كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

الصَّوْمِ؛ قَطْعًا لِلتَّرَدُّدِ، حَتَّى لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ صِيَامَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ - لَمْ يُجْزِهِ، وَلاَ يَصِيرُ صَائِمًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا نَوَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ غَدَاءً غَدًا يُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قَال: إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وَإِلاَّ فَهُوَ نَفْلٌ، أَوْ فَأَنَا مُفْطِرٌ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، إِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ.
وَإِنْ قَال ذَلِكَ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، صَحَّ صَوْمُهُ إِنْ بَانَ مِنْهُ، لأَِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلاَ يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ، لأَِنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَالَهُ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، لأَِنَّهُ لاَ أَصْل مَعَهُ يَبْنِي عَلَيْهِ، بَل الأَْصْل بَقَاءُ شَعْبَانَ (2) .
29 - ثَانِيًا: التَّعْيِينُ، وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَلاَ يَكْفِي تَعْيِينُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ، وَلاَ تَعْيِينُ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ رَمَضَانَ.
وَكَمَال النِّيَّةِ - كَمَا قَال النَّوَوِيُّ -: أَنْ يَنْوِيَ
__________
(1) الهداية وشروحها 2 / 248، والقوانين الفقهية ص 80 روضة الطالبين 2 / 353، وكشاف القناع 2 / 315.
(2) انظر شرح المحلي على المنهاج 2 / 53 و 54، وكشاف القناع 2 / 315 و 316.
صَوْمَ غَدٍ، عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى (1) .
وَإِنَّمَا اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إِلَى وَقْتٍ، فَيَجِبُ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلأَِنَّ التَّعْيِينَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، فَيُجْزِئُ التَّعْيِينُ عَنْ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فِي الْفَرْضِ، وَالْوُجُوبِ فِي الْوَاجِبِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي التَّعْيِينِ إِلَى تَقْسِيمِ الصِّيَامِ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الأَْوَّل: لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ: أَدَاءُ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ زَمَانُهُ، وَكَذَا النَّفَل، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ.
وَذَلِكَ لأَِنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ - كَمَا يَقُول الأُْصُولِيُّونَ - وَهُوَ مُضَيَّقٌ، لاَ يَسَعُ غَيْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ، فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ، فَكَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْفَرْضِ، وَالْمُتَعَيِّنُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينٍ، وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُصَابُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَبِأَصْلِهَا، وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ، لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ كَمَا يَقُول الْحَصْكَفِيُّ (3) .
__________
(1) روضة الطالبين 2 / 350.
(2) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2 / 327، وانظر بداية المجتهد 1 / 342، والقوانين الفقهية ص 79 و 80، وروضة الطالبين 2 / 350، والمغني 3 / 22 وما بعدها.
(3) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2 / 85.

الصفحة 22