كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
رَابِعًا: الْعُقُودُ الْمُزْدَوَجَةُ الأَْثَرِ:
ضَمَانُ الإِْجَارَةِ:
60 - إِذَا كَانَتِ الإِْجَارَةُ: تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ ضَرْبَانِ:
أ - فَقَدْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ بِمُجَرَّدِهَا هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَتَتَحَدَّدُ بِالْمُدَّةِ، كَإِجَارَةِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَالْحَوَانِيتِ لِلتِّجَارَةِ، وَالسَّيَّارَاتِ لِلنَّقْل، وَالأَْوَانِي لِلاِسْتِعْمَال.
ب - وَقَدْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا عَمَلاً مَعْلُومًا يُؤَدِّيهِ الْعَامِل، كَبِنَاءِ الدَّارِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ، وَإِصْلاَحِ الأَْجْهِزَةِ الآْلِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ج - فَإِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُجَرَّدُ السُّكْنَى أَوِ الرُّكُوبِ، أَوْ نَحْوِهِمَا، يُفَرَّقُ فِي الضَّمَانِ، بَيْنَ الْعَيْنِ الْمَأْجُورَةِ، وَبَيْنَ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا:
أ - فَتُعْتَبَرُ الدَّارُ الْمَأْجُورَةُ، وَالسَّيَّارَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ - مَثَلاً - أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، حَتَّى لَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ، أَوْ عَطِبَتِ السَّيَّارَةُ، وَهِيَ فِي يَدِهِ، بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ قَبْضَ الإِْجَارَةِ - كَمَا يَقُول الْكَاسَانِيُّ - قَبْضٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَلاَ يَكُونُ مَضْمُونًا، كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإِْجَارَةُ صَحِيحَةً أَمْ فَاسِدَةً (1) .
__________
(1) بدائع الصنائع 4 / 210، وانظر القوانين الفقهية ص 183 وكفاية الطالب بحاشية العدوي 2 / 182، ومغني المحتاج 2 / 351، وكشاف القناع 3 / 546.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْعَيْنِ الْمَأْجُورَةِ يَدُ أَمَانَةٍ كَذَلِكَ، بَعْدَ انْتِهَاءِ عَقْدِ الإِْجَارَةِ، إِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا، فِي الأَْصَحِّ، اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، كَالْمُودَعِ، وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ: يَدُ ضَمَانٍ.
قَال السُّبْكِيُّ: فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ إِعْلاَمِهِ، فَلاَ ضَمَانَ جَزْمًا، أَمَّا إِذَا اسْتَعْمَلَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا قَطْعًا (1) .
فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ الْمَأْجُورَةِ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، لأَِنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَفِي فَسَادِ الإِْجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الأَْمِينِ بَاطِلٌ (2) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: " مَا لاَ يَجِبُ ضَمَانُهُ، لاَ يُصَيِّرُهُ الشَّرْطُ مَضْمُونًا، وَمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ، لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِ نَفْيِهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَوُجُوبِهِ بِشَرْطِهِ (3) ، اسْتَدَلاَّ بِحَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (4) .
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 351.
(2) الدر المختار 5 / 40.
(3) المغني 6 / 118.
(4) حديث: " المسلمون عند شروطهم ". تقدم تخريجه ف (50) .
الصفحة 254